عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٤١
مطابقته لجزء من أجزاء الترجمة غير ظاهرة، ولكنه يدل على تطويل القراءة في الركعة الأولى على القراءة في الركعة الثانية لأن التيمي فسر المثاني بما لم يبلغ مائة آية، وقيل: المثاني عشرون سورة، والمئون إحدى عشرة سورة، وقال أهل اللغة: سميت مثاني لأنها ثنت المئين، أي: أتت بعدها. وفي (المحكم): المثاني من القرآن ما ثنى مرة بعد مرة، وقيل: فاتحة الكتاب، وقيل: سور أولها البقرة وآخرها براءة. وقيل: القرآن العظيم كله مثاني، لأن القصص والأمثال ثنيت فيه، وقيل: سميت المثاني لكونها قصرت عن المئين وتزيد على المفصل، كأن المئين جعلت مبادئ، والتي تليها مثاني، ثم المفصل: وعن ابن مسعود وطلحة ابن مصرف: المئون إحدى عشرة سورة، والمثاني عشرون سورة، وقال صاحب (التلويح) ومن تبعه من الشراح: وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة في (مصنفه) عن عبد الأعلى عن الجريري عن أبي العلاء عن أبي رافع، قال: كان عمر، رضي الله تعالى عنه، يقرأ في الصبح بمائة من البقرة، ويتبعها بسورة من المثاني، أو: من صدور المفصل، ويقرأ بمائة من آل عمران ويتبعها بسورة من المثاني، أو من صدور المفصل. قلت: في لفظ ما ذكره البخاري فصل بقوله: في الركعة الأولى، وفي الثانية وفي رواية ابن أبي شيبة: لم يفصل، ويحتمل أن تكون قراءته بمائة من البقرة واتباعها بسورة من المفصل في الركعة الأولى وحدها، وفي الركعة الثانية كذلك، ويحتمل أن يكون هذا في الركعتين جميعا، فعلى الاحتمال الأول تظهر المطابقة بينه وبين الجزء الأول للترجمة. فإن قلت: الجزء الأول للترجمة الجمع بين السورتين، وهذا على ما ذكرت جمع بين سورة وبعض من سورة. قلت: المقصود من الجمع بين السورتين أعم من أن يكون بين سورتين كاملتين، أو بين سورة كاملة وبين شيء من سورة أخرى.
وقرأ الأحنف بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف أو يونس وذكر أنه صلى مع عمر رضي الله تعالى عنه الصبح بهما مطابقته للجزء الثالث للترجمة، وهي: أن يقرأ في الركعة الأولى سورة ثم يقرأ في الثانية سورة فوق تلك السورة. والأحنف، بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح النون وفي آخره فاء: ابن قيس بن معدي كرب الكندي الصحابي، وقد مر ذكره في: باب المعاصي، في كتاب الإيمان. قوله: (وذكر) أي: ذكر الأحنف (أنه صلى مع عمر) أي: وراء عمر، (الصبح) أي: صلاة الصبح (بهما)، أي: بالكهف في الأولى وبإحدى السورتين في الثانية أي: بيوسف أو يونس.
وهذا التعليق وصله أبو نعيم في (المستخرج): حدثنا مخلد بن جعفر حدثنا جعفر الفريابي حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن بديل عن عبد الله ابن شقيق، قال: (صلى بنا الأحنف بن قيس الغداء فقرأ في الركعة الأولى بالكهف، وفي الثانية بيونس، وزعم أنه صلى خلف عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، فقرأ في الأولى بالكهف والثانية بيونس). وقال ابن أبي شيبة: حدثنا معتمر عن الزهري بن الحارث عن عبد الله بن قيس عن الأحنف، قال: (صليت خلف عمر الغداة فقرأ بيونس وهود ونحوهما). وعد أصحابنا هذا الصنيع مكروها، فذكر في (الخلاصة): وإن قرأ في الركعة سورة وفي ركعة أخرى سورة فوق تلك السورة أو فعل ذلك في ركعة فهو مكروه. قلت: فكأنهم نظروا في هذا إلى أن رعاية الترتيب العثماني مستحبة، وبعضهم قال: هذا في الفرائض دون النوافل، وقال مالك: لا بأس أن يقرأ سورة قبل سورة. قال: ولم يزل الأمر على ذلك من عمل الناس. وذكر في (شرح الهداية) أيضا: أنه مكروه. قال: وعليه جمهور العلماء، منهم أحمد. وقال عياض: هل ترتيب السور من ترتيب النبي، صلى الله عليه وسلم، أو من اجتهاد المسلمين؟ قال ابن الباقلاني: الثاني أصح القولين مع احتمالهما، وتأولوا النهي عن قراءة القرآن منكوسا على من يقرأ من آخر السورة إلى أولها، وأما ترتيب الآيات فلا خلاف أنه توقيف من الله تعالى على ما هو عليه الآن في المصحف.
وقرأ ابن مسعود بأربعين آية من الأنفال وفي الثانية بسورة من المفصل
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»