عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٢٨٦
9 ((باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم)) أي: هذا باب في بيان الذي يكره من حمل السلاح، وكلمة: من، بيانية. أعترض بأن هذه الترجمة تخالف الترجمة التي هي قوله: باب الخراب والدرق يوم العيد. بيان ذلك أن الترجمة تدل على الإباحة والندب لدلالة حديثها عليها، وهذه الترجمة تدل على الكراهة والتحريم، لقول عبد الله بن عمر في الحديث الذي يأتي: من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله.. وأجيب: بأن حديث الترجمة الأولى يدل على وقوعها ممن حملها بالتحفظ عن إصابة أحد من الناس، وطلب السلامة من إيصال الإيذاء إلى أحد، وحديث هذه الترجمة يدل على قلة مبالاة حامله وعدم احترازه عن إيصال الأذى إلى أحد منه، بل الظاهر أن حمله إياه ههنا لم يكن إلا بطرا وأشرا، ولا سيما عند مزاحمة الناس والمسالك الضيقة.
وقال الحسن نهوا أن يحملوا السلاح يوم عيد إلا أن يخافوا عدوا الحسن: هو البصري وقوله: (نوا) بضم النون وأصله: نهيوا، مثل نفوا أصله: نفيوا. استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها بعد سلب حركة ما قبلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين. وجه النهي خوفا من إيصال أذى لأحد، ووجه الاستثناء أن الخوف من العدو يبيح ما حرم من حمل السلاح للضرورة، وروى عبد الرزاق بإسناد مرسل، قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج بالسلاح يوم العيد)، وروى ابن ماجة بإسناد ضعيف عن ابن عباس: (إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يلبس السلاح في بلاد الإسلام في العيدين إلا أن يكونوا بحضرة العدو).
966 حدثنا زكرياء بن يحيى أبو السكين قال حدثنا المحاربي قال حدثنا محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير قال كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه فلزقت قدمه بالركاب فنزلت فنزعتها وذالك بمنى فبلغ الحجاج فجعل يعوده فقال الحجاج لو نعلم من أصابك فقال ابن عمر أنت أصبتني قال وكيف قال حملت السلاح في يوم لم يكن يحمل فيه وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم (الحديث 966 طرفه في: 967).
مطابقته للترجمة في قوله: (لم يكن يحمل فيه...) إلى آخر الحديث.
ذكر رجاله: وهم خمسة: الأول: زكريا بن يحيى بن عمر الطائي الكوفي، وكنيته أبو السكين، بضم السين المهملة وفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون، وقد مر في أول كتاب التيمم. الثاني: المحاربي، بضم الميم وبالحاء المهملة وكسر الراء وبالباء الموحدة، وهو عبد الرحمن بن محمد يكنى أبا محمد، مات سنة خمس وتسعين ومائة. الثالث: محمد بن سوقة، بضم السين المهملة وسكون الواو وفتح القاف: أبو بكر الغنوي الكوفي. الرابع: سعيد بن جبير، رضي الله تعالى عنه. الخامس: عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما.
ذكر لطائف إسناده: وفيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: العنعنة في موضع واحد. وفيه: القول في ثلاثة مواضع. وفيه: أن شيخه من أفراده. وفيه: أن الرواة كلهم كوفيون. وفيه: رواية التابعي عن التابعي، لأن محمد بن سوقة تابعي صغير من أجلة الناس.
وأخرجه البخاري أيضا في العيدين عن أحمد بن يعقوب عن إسحاق بن سعيد عن محمد بن سوقة.
ذكر معناه: قوله: (أخمص قدمه)، بإسكان الخاء المعجمة وفتح الميم وبالصاد المهملة، قال ثابت في (كتاب خلق الإنسان): وفي القدم الأخمص وهو خصر باطنها الذي يتجافى عن الأرض لا يصيبها إذا مشى الإنسان. وفي (المحكم): هو باطن القدم، وما رق من أسفلها. قوله: (فنزعتها)، أي: فنزعت السنان، وإنما أنث الضمير إما باعتبار السلاح لأنه مؤنث، وإما باعتبار أنها حديدة، أو يكون الضمير راجعا إلى: القدم، فيكون من باب القلب كما يقال: أدخلت الخف في الرجل. قوله: (وذلك بمنى) أي: ما ذكر وقع في منى، وهو يصرف ويمنع، سمي بها لأن الدماء تمنى فيها أي: تراق، أو لأن جبريل، عليه السلام، لما أراد مفارقة آدم، عليه السلام،
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»