عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٢٥١
قلت: رواه متصلا أبو الشيخ ابن حبان في كتاب (الثواب وفضائل الأعمال) من رواية مقاتل عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا: (ما من صلاة أحب إلى الله من المغرب). الحديث، وفيه: (فمن صلاها ثم صلى بعدها ركعتين قبل أن يتكلم جليسه رفعت صلاته في أعلى عليين). قلت: يصح هذا مستندا لأصحابنا في استحبابهم إيصال السنن للفرائض. وقال شارح الترمذي: وله وجه في المغرب بسبب ضيق وقتها على القول بأن وقتها ضيق على قول الشافعي في الجديد، ثم المستحب في ركعتي المغرب أن تكونا في بيته لظاهر الحديث، وكذلك سائر النوافل التابعة للفرائض أن تكون في البيت عند جمهور العلماء، للحديث المتفق عليه: (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة). وعند الثوري ومالك: نوافل النهار كلها في المسجد أفضل، وذهب ابن ألي ليلى إلى أن سنة المغرب لا يجزئ فعلها في المسجد. وأما سنة العشاء، وهما الركعتان بعدها، فمن السنن المؤكدة، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدعهما. وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى ركعتين بعد العشاء الآخرة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وعشرين مرة. * (قل هو الله أحد) * بنى الله عز وجل له قصرا في الجنة). رواه أبو الشيخ ابن حبان.
40 ((با قول الله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله)) أي: هذا باب في بيان المراد من ذكر قول الله عز وجل: * (فإذا قضيت) * (الجمعة: 10). وأراد بذكر هذه الآية الكريمة هنا الإشارة إلى أن الأمر في قوله: * (فانتشروا) * (الجمعة: 10). والأمر في قوله: * (وابتغوا) * (الجمعة: 10). للإباحة لا للوجوب، لأنهم منعوا عن الانتشار في الأرض للتكسب وقت النداء يوم الجمعة، لأجل إقامة صلاة الجمعة، فلما صلوا وفرغوا أمروا بالانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله، وهو رزقه، وإنما قلنا: هذا الأمر للإباحة لأنه لمنفعة لنا، فلو كان للوجوب لعاد علينا، وذلك كما في قوله تعالى: * (وإذا حللتم فاصطادوا) * (المائدة: 2). فإنه حرم عليهم الصيد وهم محرمون، فلما خرجوا عن الإحرام أحل لهم الصيد، كما كان أولا. وقال ابن التين: جماعة أهل العلم على أن هذا إباحة بعد الحظر، وقيل: هو أمر على بابه. وعن الداودي: هو إباحة لمن كان له كفاف ولا يطيق التكسب، وفرض على من لا شيء له، ويطيق التكسب. وقال غيره: من تعطف عليه بسؤال أو غيره ليس طلب التكسب عليه بفريضة. وفي (تفسير النسفي) * (فإذا قضيت الصلاة) * (الجمعة: 10). فرغ منها * (فانتشروا في الأرض) * (الجمعة: 10). للتجارة والتصرف في حوائجكم. * (وابتغوا من فضل الله) * (الجمعة: 10). أي: الرزق، ثم أطلق لهم ما حظر عليهم بعد قضاء الصلاة من الانتشار، وابتغاء الربح مع التوصية بإكثار الذكر وأن لا يلهيهم شيء من التجارة ولا غيرها عنه، وهما أمر إباحة وتخيير كما في قوله: * (وإذا حللتم فاصطادوا) * (المائدة: 2). وعن أنس، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله: * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) * (الجمعة: 10). ليس لطلب دنياكم، ولكن عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله. وقيل: صلاة تطوع. وقال الحسن وسعيد بن جبير ومحكول: وابتغوا من فضل الله، هو طلب العلم، وقال جعفر الصادق، رضي الله تعالى عنه: وابتغوا من فضل الله يوم السبت.
938 حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا أبو غسان قال حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا فكانت إذا كان يوم جمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها فتكون اصول السلق عرقه وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها فتقرب ذالك الطعام إلينا فنلعقه وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذالك.
مطابقته للترجمة التي هي آية من القرآن الكريم من حيث إن في الآية الانتشار بعد الفراغ من الصلاة، وهو الانصراف منها، وفي الحديث أيضا: كانوا ينصرفون بعد فراغهم من صلاة الجمعة، وفي الآية الابتغاء من فضل الله الذي هو الرزق
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»