عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ١٣٠
بأيهن بدأت)، ولكن يمكن أن يقال: الأولى البداءة بالتسبيح لأنه يتضمن نفي النقائص عن الله سبحانه وتعالى، ثم التحميد لأنه يتضمن إثبات الكمال لله تعالى، لأن جميع المحامد له، ثم التكبير لأنه تعظيم، ومن كان منزها عن النقائص، ومستحقا لجميع المحامد يجب تعظيمه، وذلك بالتكبير، ثم يختم ذلك كله بالتهليل الدال على وحدانيته وانفراده تعالى وتقدس، وقوله: (تسبحون وتحمدون وتكبرون) ثلاثة أفعال تنازعت في ظرف، أعني، قوله: (خلف كل صلاة) قوله: (خلف كل صلاة) وفي رواية للبخاري في الدعوات: (دبر كل صلاة)، وفي حديث أبي ذر: (إثر كل صلاة)، ويمكن أن يكون لفظ: (دبر)، تفسيرا للفظ: (خلف)، قوله: (صلاة) يشمل الفرض والنفل، ولكن حمله أكثر العلماء على الفرض، لأنه وقع في حديث كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة، فكأنهم حملوا المطلق على المقيد. قوله: (ثلاثا وثلاثين)، هذا اللفظ يحتمل أن يكون لمجموع هذا المقدار بحيث إنه يكون كل واحد منها أحد عشر، وأن يكون كل واحد يبلغ هذا العدد فهو مجمل، وتمام هذا الحديث مبين أن المقصود هو الثاني. قوله: (فاختلفنا بيننا) أي: في كل واحد ثلاثة وثلاثون؟ أو المجموع؟ أو أن تمام المائة بالتكبير؟ أو بغيره؟ فإن قلت: هذا الاختلاف وقع بين من ومن؟ قلت: ظاهر العباراة أنه وقع بين الصحابة، وأن القائل: (فاختلفنا) هو أبو هريرة، وكذا الضمير في: (رجعت) يرجع إلى أبي هريرة، والضمير في (إلى) يرجع إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن بين مسلم في روايته عن ابن عجلان عن سمي أن القائل: (فاختلفنا) هو: سمي، وأن الضمير في (رجعت) يرجع إليه، والضمير في (إليه) يرجع إلى أبي صالح، وأن المخالف له بعض أهله، ولفظه: (قال سمي: فحدثت بعض أهلي هذا الحديث، فقال: وهمت). فذكر كلامه. قال: (فرجعت إلى أبي صالح)، والذي ذكره مسلم أقرب، لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضا، فلذلك اقتصر صاحب (العمدة) على هذا، لكن مسلما لم يوصل هذه الزيادة، فإنه أخرج الحديث: عن قتيبة عن الليث ابن عجلان، ثم قال: زاد غير قتيبة في هذا الحديث عن الليث، فذكرها. قيل: يحتمل أن يكون هذا الغير شعيب بن الليث، فإن أبا عوانة أخرجه في (مستخرجه): عن الربيع بن سليمان عن شعيب، ويحتمل أن يكون سعيد بن أبي مريم، فإن البيهقي أخرجه من طريق سعيد؟ قلت: يحتمل أن يكون غيرهما، وقد روى ابن حبان هذا الحديث من طريق المعتمر بن سليمان بالإسناد المذكور فلم يذكر. قوله: (واختلفنا...) إلى آخره. قوله: (أربعا)، ويروى: (أربعة)، وإذا كان المميز غير مذكور يجوز في العدد التذكير والتأنيث. قوله: (منهن كلهن)، بكسر اللام، لأنه تأكيد للضمير المجرور. قوله: (ثلاث وثلاثون)، بالواو علامة الرفع، وهو اسم: كان، وفي رواية كريمة والأصيلي وأبي الوقت: (ثلاثا وثلاثين)، على أنه خبر: كان، واسمه محذوف، والتقدير: حتى يكون العدد منهن كلهن ثلاثا وثلاثين. فإن قلت: ما الحكمة في تعيين هذا العدد؟ أعني: ثلاثا وثلاثين؟ قلت: هنا قد تعين هذا العدد، وقد اختلفت الأعداد في الأحاديث الواردة في هذا الباب على وجوه مختلفة، فورد فيه كونه ثلاثا وثلاثين، كما في حديث أبي هريرة في هذا الباب، وكونه خمسا وعشرين، كما في حديث زيد بن ثابت، رضي الله تعالى عنه، أخرجه النسائي من رواية كثير بن أفلح عن زيد بن ثابت، قال: (أمروا أن يسبحوا دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، ويحمدوا ثلاثا وثلاثين، ويكبروا أربعا وثلاثين، فأتي رجل من الأنصار في منامه، قيل: أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وتحمدوا ثلاثا وثلاثين، وتكبروا أربعا وثلاثين؟ قال: نعم، فاجعلوها خمسا وعشرين، فاجعلوا فيها التهليل، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: إجعلوها كذلك). وكونه إحدى عشرة، كما في بعض طرق حديث ابن عمر، وقد ذكرناه عن البزار، وكونه عشرا كما في حديث أنس، رضي الله تعالى عنه، رواه الترمذي والنسائي من رواية عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة: (عن أنس بن مالك، قال: جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! علمني كلمات أدعو بهن في صلاتي. فقال: سبحي الله عشرا. واحمديه عشرا، وكبريه عشرا، ثم سلي حاجتك، يقول: نعم نعم). رواه البزار وأبو يعلى في (مسنديهما) وفيه: نعم نعم نعم، ثلاثا، وكذلك
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»