عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ١٤
الثالث: في لغاته. فقوله: (بالجرف) بضم الجيم والراء، وقد تسكن الراء: وهو ما تجري فيه السيول وأكلته من الأرض، وهو جمع: جرفة، بكسر الجيم وفتح الراء. وزعم الزبير: أن الجرفة على ميل من المدينة. وقال ابن إسحاق: على فرسخ، وهناك كان المسلمون يعسكرون إذا أرادوا الغزو. وزعم ابن قر قول أنه على ثلاثة أميال إلى جهة الشام، به مال عمر وأموال أهل المدينة، ويعرف ببئر جشم وبئر جمل. قوله: (بمربد النعم). قال السفاقسي: رويناه بفتح الميم، وهو في اللغة بكسرها، وفي (المحكم): المربد محبس الإبل، وقيل: هي من خشبة أو عصى تعترض صدور الإبل فتمنعها من الخروج، ومربد البصرة من ذلك لأنهم كانوا يحبسون فيه الإبل، والمربد: فضاء وراء البيوت ترتفق به، والمربد: كالحجرة في الدار، ومربد التمر: جرينه الذي يوضع فيه بعد الجذاذ لييبس. وقال سيبويه: هو اسم كالمسطح، وإنما مثله به لأن المسطح ييبس. وقال السهيلي: المربد والجرين والمسطح والبيدر والاندر والجرجار: لغات بمعنى واحد. قوله: (النعم)، بفتح النون والعين: وهو المال الراعية، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل.
الرابع في حكم الأثر المذكور: وهو يقتضي جواز التيمم للحضري، لأن من يجيز التيمم في السفر يقصره على السفر الذي تقصر فيه الصلاة. قال محمد بن مسلمة: إنما تيمم ابن عمر بالمربد لأنه خاف فوت الوقت. قيل: لعله يريد فوات الوقت المستحب وهو أن تصفر الشمس. وقوله: (والشمس مرتفعة) يحتمل أن تكون مرتفعة عن الأفق والصفرة دخلتها، ويحتمل أن يكون ظن أنه لا يدخل المدينة حتى يخرج الوقت فتيمم على ذلك الاجتهاد. وقال ابن القاسم: من رجا إدراك الماء في آخر الوقت فتيمم في أوله وصلى أجزأه ويعيد في الوقت استحبابا، فيحتمل أن ابن عمر كان يرى هذا. وقال سحنون في (شرح الموطأ) كان ابن عمر على وضوء لأنه كان يتوضأ لكل صلاة، فجعل التيمم عند عدم الماء عوض الوضوء، وقيل: كان ابن عمر يرى أن الوقت إذا دخل حل التيمم، وليس عليه أن يؤخر لقوله تعالى: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) * (النساء: 34، والمائدة: 6).
7334 ح دثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج قال سمعت عميرا مولى ابن عباس قال أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري فقال أبو الجهيم أقبل النبي من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام.
13 50 وجه مطابقة هذا الحديث للترجمة هو أن النبي لما تيمم في الحضر لرد السلام، وكان له أن يرده عليه قبل تيممه، دل ذلك أنه إذا خشي فوات الوقت في الصلاة في الحضر أن له التيمم، بل ذلك آكد، لأنه لا تجوز الصلاة بغير وضوء ولا تيمم، ويجوز السلام بغيرهما.
ذكر رجاله: وهم سبعة. الأول: يحيى بن بكير هو يحيى بن عبد ا بن بكير القريشي المخزومي، أبو زكريا المصري. الثاني: الليث بن سعد، الإمام المشهور. الثالث: جعفر بن ربيعة بن شرحبيل الكندي المصري، مات سنة خمس وثلاثين ومائة. الرابع: الأعرج وهو عبد الرحمن بن هرمز راوية أبي هريرة، تقدم في باب حب الرسول من الإيمان. الخامس: عمير مصغر عمرو بن عبد ا الهاشمي، مات بالمدينة سنة أربع ومائة. السادس: عبد ا بن يسار، بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف السين المهملة: المدني الهلالي. السابع: أبو جهيم، بضم الجيم وفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف: هو عبد ا بن الحارث بن الصمة، بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم: الصحابي الخزرجي. وللبخاري حديثان عنه، ويروى: أبو الجهيم بالألف واللام، وقال الذهبي: أبو جهيم. ويقال: أبو الجهيم بن الحارث بن الصمة، كان أبوه من كبار الصحابة، وأبو جهم عبد ا بن جهيم. قال أبو نعيم وابن منده: أبو جهيم وابن الصمة واحد. وكذا قاله مسلم في بعض كتبه، وجعلهما ابن عبد البر اثنين. وعن ابن أبي حاتم عن أبيه قال: ويقال: أبو الجهيم هو الحارث بن الصمة، فعلى هذا تكون لفظة: ابن في متن الحديث زائدة، لكن صحح أبو حاتم أن الحارث اسم لأبيه لا اسمه، وفي الصحابة شخص آخر يقال له: أبو الجهم، وهو صاحب الأنبجانية، وهو غير هذا لأنه قريشي وهذا أنصاري. قلت: أبو الجهم هذا هو الذي قاله الذهبي: أبو جهم عبد ا بن جهيم.
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»