عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١٩٦
تقليب المتكلم على الغائب كما غلب المخاطب على الغائب في قوله تعالى: * (اسكن أنت وزوجك الجنة) * (سورة البقرة: 35) (سورة الأعراف: 19) عطف زوجك، على: أنت فإن قلت: الفائدة في تغليب: اسكن، هي أن تدم كان أصلا في سكنى الجنة وحواء عليها السلام، تابعة له، فما الفائدة فيما نحن فيه. قلت: الإيذان بأن النساء محل الشهوات وحاملات للاغتسال فكن أصلا في. فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون التقدير: اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء مشترك بيني وبينه فيبادرني ويغتسل ببعضه ويترك ما بقي فاغتسل أنا منه. قلت: يخالفه الحديث الآخر، وهو أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل. انتهى. وعكسه أيضا على ما تقدم فيما مضى. وقد نقل الكرماني في شرحه ما قاله الطيبي، ونقله بعضهم أيضا مختصرا من غير إيضاح قوله: (من إناء واحد من قدح) كلمة من الأولى ابتدائية والثانية بيانية. قال الكرماني: الأولى: أن يكون قدم بدلا من إناء بتكرار حرف الجر في البدن. انتهى ونقله بعضهم في شرحه، وقال: يحتمل أن يكون. قدح. بدلا من إناء. قلت: لا يقال في مثل ذلك يحتمل: لأن الوجهين اللذين ذكرهما الكرماني جائزان قطعا غاية ما في الباب يرجح أحدهما بالأولوية. كما نبه عليه، ثم هذا الإناء المذكور كان من شبه يدل عليه ما رواه الحاكم من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه، ولفظه. (تورمن شبه) بفتح الشين المعمة وفتح الباء الموحدة، وهو نوع من النحاس يقال: كوز شبه، وشبه بمعنى.
بيان استنباط الأحكام فيه: جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، وكذلك الوضوء، وهذا بالإجماع. وفيه: تطهر المرأة بفضل الرجل، وأما العكس فجائز عند الجمهور، سواء خلت المرأة بالماء أو لم تخل. وذهب الإمام أحمد إلى إنها إذا خلت بالماء واستعملته لا يجوز للرجل استعمال فضلها. فإن قلت: ذكر ابن أبي شيبة عن أبي هريرة أنه كان ينهي أن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد. قلت: غاب عنه الحديث المذكور، والسنة قاضية عليه. فإن قلت: ورد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل المرأة. قلت: قال الخطابي: أهل المعرفة بالحديث لم يرفع وأطرق أسانيد هذا الحديث، ولو ثبت فهو منسوخ، وقد استقضينا الكلام في باب وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد. وفيه: طهارة فضل الجنب والحائض. قال الدراوردي: وفيه: جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته، فقال: سألت عطاء فقال: سألت عائشة، فذكرت هذا الحديث.
3 ((باب الغسل بالصاع ونحوه)) أي: هذا باب في بيان حكم الغسل بالماء قدر ملء الصاع، لأن الصاع اسم للخشبة، فلا يتصور الغسل به. قوله: (ونحوه) أي: ونحو الصاع من الأواني التي يسع فيها ما يسع في الصاع، قال الجوهري: الصاع الذي يكال به وهو أربعة أمداد، والجمع أصوع، وإن شئت أبدلت من الواو المضمومة همزة، والصواع لغة فيه ويقال: هو إناء يشرب فيه. وقال ابن الأثير: الصاع مكيال يسع أربعة أمداد، والمد مختلف فيه، فقيل: هو رطل وثلث بالعراقي. وبه قال الشافعي وفقهاء الحجاز. وفيل: هو رطلان، وبه أخذ أبو حنيفة وفقهاء العراق، فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثا، أو ثمانية أرطال. وقال عياض: جمع الصاع أصوع وآصع، لكن الجاري على العربية، أصوع، لا غير. والواحد: صاع وصواع وصوع، ويقال: أصؤع، بالهمزة وهو مكيال لأهل المدينة معروف يسع أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو عمر: قال الخليل: الصاع طاس يشرب فيه. وفي (المطالع) يجمع على أصوع وصيعان. وقال بعضهم: قال بعض الفقهاء من الحنفية وغيرهما إن الصاع ثمانية أرطال، وتمسكوا بما روى مجاهد عن عائشة، رضي الله عنها: أنه حرز الماء ثمانية أرطال، والصحيح الأول فإن الحرز لا يعارض به التحديد. انتهى. قلت: هذ العبارة تدل على أن هذا القائل لم يعرف أنه مذهب الإمام أبي حنيفة، إذ لو عرف لم يأت بهذه العبارة ولم ينفرد بهذا بل ذهب إليه أيضا إبراهيم النخعي والحجاج بن أرطأة، والحكم بن عتيبة وأحمد في رواية، وتمسكوا في هذا بما أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح، قال حدثنا ابن أبي عمران، قال: حدثنا محمد بن شجاع وسليمان بن بكار وأحمد بن منصور الزيادي، قالوا حدثنا يعلى بن عبيد عن موسى الجهني عن مجاهد. قال: (دخلنا على عائشة. رضي الله تعالى عنها، فاستسقى بعضنا فأتي بعد، قالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بملء هذا، قال مجاهد، فحرزته فيما أحرز ثمانية أرطال، تسعة أرطال،
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»