عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٧٤
حديث السواك والمجة فما وجهه؟ قلت: مقصوده الرد على من زعم أن الماء المستعمل في الوضوء لا يتطهر به. قلت: هذا الكلام أبعد من كلام ذلك القائل، فأي دليل دل على أن الماء في خبر السواك والمجة فضل الوضوء؟ وليس فضل الوضوء إلا الماء الذي يفضل من وضوء المتوضي. فإن كان لفظ: فضل الوضوء، عربيا فهذا معناه، وإن كان غير عربي فلا تعلق له ههنا. وقال الكرماني: فضل السواك هو الماء الذي ينتقع فيه السواك ليترطب، وسواكهم الأراك، وهو لا يغير الماء. قلت: بينت لك أن هذا كلام واه، وأن فضل السواك لا يقال له: فضل الوضوء، وهذا لا ينكره إلا معاند، ويمكن أن يقال بالجر الثقيل: إن المراد من فضل السواك هو الماء الذي في الظرف والمتوضىء يتوضأ منه، وبعد فراغه من تسوكه عقيب فراغه من المضمضة يرمى السواك الملوث بالماء المستعمل فيه. ثم أثر جرير المذكور وصله ابن أبي شيبة في (مصنفه) والدارقطني في (سننه) وغيرهما من طريق قيس بن أبي حازم عنه، وفي بعض طرقه: كان جرير يستاك ويغمس رأس سواكه في الماء، ثم يقول لأهله: توضأوا بفضله، لا يرى به بأس.
187 حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا الحكم قال سمعت أبا جحيفة يقول خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فأتي بوضوء فتوضأ فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة.
.
هذا الحديث يطابق الترجمة إذا كان المراد من قوله: يأخذون من فضل وضوئه ما سال من أعضاء النبي، عليه الصلاة والسلام. وإن كان المراد منه الماء الذي فضل عنه في الوعاء فلا مناسبة أصلا.
بيان رجاله وهم أربعة. الأول: آدم بن أبي اياس تقدم. الثاني: شعبة بن الحجاج كذلك. والثالث: الحكم، بفتح الحاء المهملة وفتح الكاف: ابن عتيبة، بضم العين وفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة، تقدم في باب السمر بالعلم. والرابع: أبو جحيفة، بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء، واسمه وهب بن عبد الله الثقفي الكوفي، تقدم في باب كتابة العلم، رضي الله تعالى عنه.
بيان لطائف اسناده منها: أن فيه التحديث بصيغة الجمع والسماع. ومنها: أن رواته ما بين عسقلاني وكوفي وواسطي. ومنها: أنه من رباعيات البخاري. ومنها: أن الحكم بن عتيبة ليس له سماع من أحد من الصحابة إلا أبا جحيفة، وقيل: روى عن أبي أوفى أيضا.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن سليمان بن حرب، وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الحسن بن منصور. وأخرجه مسلم في الصلاة محمد بن المثني عن محمد بن بشار، كلاهما عن غندر، وعن زهير بن حرب، وعن محمد بن حاتم كلاهما عن ابن مهدي، خمستهم عن شعبة عنه به. وأخرجه النسائي في الصلاة عن محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار به.
بيان اللغات والإعراب قوله: (بالهاجرة)، قال ابن سيده: الهجيرة والهجيرة والهجر والهاجر: نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهيرة، وقيل: عند زوال إلى العصر، وقيل في ذلك: إنه شدة الحر. وهجر القوم وأهجروا وتهجروا: ساروا في الهجيرة. وفي كتاب (الأنواء الكبير) لأبي حنيفة: الهاجرة بالصيف قبل الظهيرة بقليل أو بعدها بقليل، يقال: أتيته بالهجر الأعلى وبالهاجرة العليا، يريد في آخر الهاجرة، والهو يجرة: قبل العصر بقليل، والهجر مثله. وسميت الهاجرة لهرب كل شيء منها، ولم أسمع بالهاجرة في غير الصيف إلا في قول العجاج في ثور وحش طرده الكلاب في صميم البر:
* ولى كمصباح الدجى المزهورة * كان من آخر الهجيرة * قوم هجان هم بالمقدورة.
وفي (الموعب): أتيته بالهاجرة وعند الهاجرة وبالهجير وعند الهجير، وفي (المغيث): الهاجرة بمعنى المهجورة، لأن السير يهجر فيها، كماء دافق بمعنى مدفوق، قاله الهروي. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (والمهجر كالمهدي بدنه)، فالمراد التبكير إلى كل صلاة. وعن الخليل: التهجير إلى الجمعة. التبكير، وهي لغة حجازية. قوله: (فأتي بوضوء)، بفتح الواو: وهو الماء الذي يتوضأ به. قوله:
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»