عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٦٨
وسئل مالك: أيجزىء أن يمسح بعض الرأس فاحتج بحديث عبد الله بن زيد أيجزىء: يجوز فيه الوجان: أحدهما: بفتح الياء من جزى أي كفى، والهمزة فيه للاستفهام. والثاني: بضم الياء من الإجزاء وهو الأداء الكافي لسقوط التعبد به، وفي بعض النسخ: ببعض رأسه، وفي بعضها: بعض الرأس، والسائل عن مالك في مسح الرأس هو إسحاق بن عيسى ابن الطباع، بينه ابن خزيمة في (صحيحه) من طريقه، ولفظه: سألت مالكا عن الرجل يمسح مقدم رأسه في وضوئه أيجزيه؟ فقال: حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد، قال: (مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم في وضوئه من ناصيته إلى قفاه، ثم رد يديه إلى ناصيته فمسح رأسه كله). وقال بعضهم: موضع الدلالة من الحديث والآية: ان لفظ الآية مجمل لأنه يحتمل أن يراد بها مسح الكل، عن أن: الباء، زائدة، أو مسح البعض على أنها تبعيضية، فتبين بفعل النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد الأول. قلت: لا إجمال في الآية، وإنما الإجمال في المقدار دون المحل، لأن الرأس وهو معلوم، وفعله صلى الله عليه وسلم كان بيانا للإجمال الذي في المقدار، وهذا القائل لو علم معنى الإجمال لما قال لفظ الآية مجمل. قوله: (فاحتج) اي: مالك احتج بحديث عبد الله بن زيد الذي ساقه هنا على عدم الإجزاء في مسح بعض الرأس، والمعنى: أنه لما سئل عن مسح الرأس روى هذا الحديث واحتج به على أنه لا يجوز أن يقتصر ببعض الرأس.
185 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رجلا قال لعبد الله بن زيد وهو جد عمرو بن يحيى أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضا فقال عبد الله بن زيد نعم فدع بماء فأفرغ على يديه فغسل مرتين ثم مضمض واستنثر ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه.
.
مطابقة الحديث للترجمة في قوله: (ثم مسح رأسه). إلى آخره.
بيان رجاله وهم ستة. الأول: عبد الله يوسف التنيسي. الثاني: مالك بن انس. الثالث: عمرو بن يحيى بن عمارة، بضم العين المهملة وتخفيف الميم، وقد تقدموا.
الرابع: أبوه يحيى بن عمارة بن أبي حسن، واسمه تميم بن عبد بن عمرو بن قيس، وأبو حسن له صحبة، وكذا لعمارة فيما جزم به ابن عبد البر. وقال أبو نعيم: فيه نظر. وقال الذهبي: عمارة بن أبي حسن الأنصاري المازني، له صحبة، وقيل: أبوه بدري وعقبي. الخامس: الرجل السائل هو عمر بن يحيى، وإنما قال: جد عمرو بن يحيى تجوزا لأنه عم أبيه، وسماه جدا لكونه في منزلته. وقيل: إن المراد بقوله هو عبد الله بن زيد وهذا وهم، لأنه ليس جدا لعمرو بن يحيى لا حقيقة ولا مجازا، وذكر في (الكمال) في ترجمة عمرو بن يحيى أنه ابن بنت عبد الله بن زيد. قالوا: إنه غلط، وقد ذكر محمد بن سعد أن أم عمرو بن يحيى هي حميدة بنت محمد بن إياس بن بكير، وقال غيره: هي أم النعمان بنت أبي حية. والله أعلم. وقد اختلف رواة (الموطأ) في تعيين هذا السائل فأبهمه أكثرهم. قال معن بن عيسى في روايته عن عمرو عن أبيه يحيى: إنه سمع أبا محمد بن حسن، وهو جد عمرو بن يحيى. قال لعبد الله بن زيد، وكان من الصحابة فذكر الحديث، وقال محمد بن الحسن الشيباني: عن مالك حدثنا عمرو عن أبيه يحيى أنه سمع جده أبا حسن يسأل عبد الله بن زيد، وكذا ساقه سحنون في (المدونة). وقال الشافعي في (الأم): عن مالك عن عمرو عن أبيه. فإن قلت: هل يمكن أن يجمع هذا الاختلاف؟ قلت: يمكن أن يقال: اجتمع عند عبد الله بن زيد بن أبي حسن الأنصاري وابنه عمرو وابن ابنه عمارة بن أبي حسن، فسألوه عن صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وتولى السؤال منهم له عمارة بن أبي حسن، فحيث نسب إليه السؤال كان على الحقيقة، ويؤيده رواية سليمان بن بلال عند البخاري في باب الوضوء من التور، قال: حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه قال: كان عمي، يعنى عمرو بن أبي حسن، يكثر الوضوء، فقال لعبد الله ابن زيد: أخبرني، فذكره. وحيث نسب السؤال إلى أبي حسن فعلى المجاز لكونه كان الأكبر وكان حاضرا، وحيث نسب السؤال ليحيى بن عمارة فعلى المجاز أيضا لكونه ناقل الحديث، وقد حضر السؤال، وكانوا كلهم متفقين على السؤال،
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»