عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٢٦٣
واحد، وألجأه إلى ذلك أنه لم يجد حديثا على شرطه في حكم النفاس، فاستنبط من هذا الحديث أن حكمها واحد. قلت: هذا الكلام في الحقيقة مضمون كلام ابن بطال، وكلامه يشعر بالمساواة بين مفهومي الحيض والنفاس، وليس كذلك، لجواز أن يكون بينهما عموم وخصوص من وجه كالإنسان والحيوان، وقول الكرماني: يحتمل أن الفرق لم يثبت عنده لغة، إلى آخره، غير سديد، لأن هذا لا يقال عن أحد إلا ممن يكون من أئمة اللغة والبخاري من أئمة الحديث، والصواب الذي يقال هاهنا على وجهين: أحدهما: أن هذه الترجمة لا فائدة في ذكرها لأنه لا ينبي عليها مزيد فائدة. والثاني: لو سلمنا أن لها فائدة فوجهها أن يقال: لما لم يثبت الفرق عنده بين مفهومي الحيض والنفاس، يجوز ذكر أحدهما وإرادة الآخر، ففي الحديث ذكر النفاس وأريد الحيض، فكذلك ذكر المصنف النفاس وأراد الحيض، وعلى هذا معنى قوله: باب من سمي، باب من ذكر النفاس حيضا يعني: ذكر النفاس وأراد به الحيض، فكذلك المذكور في الحديث نفاس، والمراد حيض وذلك أنه لما قال صلى الله عليه وسلم لها: أنفست، أجابت بنعم، وكانت حائضا، فقد جعلت النفاس حيضا، فطابق الحديث ما ترجم به.
298 حدثنا المكي بن إبراهيم قال حدثنا عن هشام عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة أن زينب ابنة أم سلمة حدثته أن أم سلمة حدثتها قالت بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مضطجعة في خميصة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي قال أنفست قلت نعم فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة.
.
وجه المطابقة قد ذكرنا مستقصى.
ذكر رجاله وهم ستة: الأول: مكي بن إبراهيم بن إبراهيم بن بشير التميمي، أبو السكن البلخي، رضي الله عنه. الثاني: هشام الدستوائي، رضي الله عنه. الثالث: يحيى بن كثير، بالثاء المثلثة، رضي الله عنه. الرابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه. الخامس: زينب بنت أم سلمة أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنها، السادس: أم سلمة أم المؤمنين، واسمها هند بنت أبي أمية، رضي الله تعالى عنها.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وبصيغة المفرد في موضعين: وفيه: العنعنة في موضعين وفيه: أبو سلمة وأم سلمة، رضي الله تعالى عنهما، وليست كنيتان باعتبار شخص واحد، بل سلمة الأول هو ولد ابن عبد ان الرحمن، رضي الله تعالى عنه، وسلمة الثاني ولد ابن عبد الأسد، رضي الله تعالى عنه، والغرض أن أبا سلمة، رضي الله تعالى عنه، ليس أبا زنيب النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه: أن يحيى روى عن أبي سلمة، رضي الله عنه بالعنعنة، وفي رواية مسلم روى عنه بالتحديث قال: حدثني أبو سلمة، أخرجها من طريق معاذ بن هشام عن أبيه. وفيه: رواية التابعي عن صحابية. وفيه: أن رواته ما بين بلخي وبصري ويماني ومدني.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصوم عن مسدد، رضي الله عنه، وفي الطهارة أيضا عن سعد بن حفص عنه، وأخرجه مسلم في الطهارة عن أبي موسى محمد بن المثنى، وأخرجه النسائي، رضي الله عنه، فيه عن عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم وعن إسماعيل بن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
ذكر لغاته وإعرابه قوله: (بينا) أصله بين أشعبت فتحة النون بالألف، وبينا وبينما ظرفان زمان بمعنى المفاجأة، ومضافان إلى جملة من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى، والأفصح في جوابها، أن لا يكون فيه، إذ وإذا، وها هنا جاء الجواب، باذ، وهو قوله: (إذ حضت) وهو العامل فيه. قوله: (مضطجعة) أصله: مضجعة، لأنه من باب الافتعال، فقلبت التاء طاء، ويجوز فيه الرفع والنصب أما الرفع فعلى الخبرية وأما النصب فعلى الحال قبوله: (في خميصة) بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم وهي كساء، مربع له علمان، وقيل: الخمائض ثياب من خزثخان سود وحمر، ولها أعلام ثخان أيضا، قاله ابن سيده، وفي (الصحاح) كساء أسود مربع وإن لم يكن معلما فليس بخمصيه، وفي (الغربيين) قال الأصمعي: الخمائص ثياب خز أو صوف، معلمة، وهي سود، كانت من لباس الناس، وقال ابن سيده: والخميلة والخملة، القطيفة، وقال السكري: الخميل القطيفة ذات الخمل، والخمل هدب القطيفة ونحوها مما ينسج، ويفضل له فضول، وفي (الصحاح) هي الطنفسة، وزعم النووي، رحمه الله أن أهل اللغة قالوا:
(٢٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 ... » »»