فالوحي لا يدخله خلل لأنه محروس بخلاف رؤيا غير الأنبياء فأنها قد يحضرها الشيطان وقال الحكيم أيضا وكل الله بالرؤيا ملكا اطلع على أحوال بني آدم من اللوح المحفوظ فينسخ منها ويضرب لكل على قصته مثلا فإذا نام مثل له تلك الأشياء على طريق الحكمة لتكون له بشرى أو نذارة أو معاتبة الآدمي قد تسلط عليه الشيطان لشدة العداوة بينهما فهو يكيده بكل وجه ويريد افساد أموره بكل طريق فيلبس عليه رؤياه إما بتغليطه فيها وإما بغفلته عنها ثم جميع المرائي تنحصر على قسمين الصادقة وهي رؤيا الأنبياء ومن تبعهم من الصالحين وقد تقع لغيرهم بندور وهي التي تقع في اليقظة على وفق ما وقعت في النوم والأضغاث وهي لا تنذر بشئ وهي أنواع الأول تلاعب الشيطان ليحزن الرائي كأن يرى أنه قطع رأسه وهو يتبعه أو رأى أنه واقع في هول ولا يجد من ينجده ونحو ذلك والثاني أن يرى أن بعض الملائكة تأمره أن يفعل المحرمات مثلا ونحوه من المحال عقلا الثالث أن يرى ما تتحدث به نفسه في اليقظة أو يتمناه فيراه كما هو في المنام وكذا رؤية ما جرت به عادته في اليقظة أو ما يغلب على مجازه ويقع عن المستقبل غالبا وعن الحال كثيرا وعن الماضي قليلا ثم ساق المصنف حديث عائشة في بدء الوحي وقد ذكره في أول الصحيح وقد شرحته هناك ثم استدركت ما فات من شرحه في تفسير اقرأ باسم ربك وسأذكر هنا ما لم يتقدم ذكره في الموضعين غالبا مما يستفاد من شرحه ومداره على الزهري عن عروة عن عائشة وقد ساقه في المواضع الثلاثة عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري ولكنه ساقه على لفظه في أول الكتاب وقرنه في التفسير بيونس بن يزيد وساقه على لفظه ثم قرنه هنا بمعمر وساقه على لفظه وقوله هنا أنبأنا معمر قال قال الزهري فأخبرني عروة ووقع عند مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق مثله لكن فيه وأخبرني بالواو لا بالفاء وهذه الفاء معقبة لشئ محذوف وكذلك الواو عاطفة عليه وقد بينه البيهقي في الدلائل حيث أخرج الحديث من وجه آخر عن الزهري عن محمد بن النعمان بن بشير مرسلا فذكر قصة بدء الوحي مختصرة ونزول اقرا باسم ربك إلى قوله خلق الانسان من علق وقال محمد بن النعمان فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال الزهري فسمعت عروة بن الزبير يقول قالت عائشة فذكر الحديث مطولا (قوله الصالحة) في رواية عقيل الصادقة وهما بمعنى واحد بالنسبة إلى أمور الآخرة في حق الأنبياء وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فالصالحة في الأصل أخص فرؤيا النبي كلها صادقة وقد تكون صالحة وهي الأكثر وغير صالحة بالنسبة للدنيا كما وقع في الرؤيا يوم أحد وأما رؤيا غير الأنبياء فبينهما عموم وخصوص ان فسرنا الصادقة بأنها التي لا تحتاج إلى تعبير وأما إن فسرناها بأنها غير الأضغاث فالصالحة أخص مطلقا وقال الامام نصر بن يعقوب الدينوري في التعبير القادري الرؤيا الصادقة ما يقع بعينه أو ما يعبر في المنام أو يخبر به ما لا يكذب والصالحة ما يسر (قوله إلا جاءته مثل فلق الصبح) في رواية الكشميهني جاءت كرواية عقيل قال ابن أبي جمرة انما شبهها بفلق الصبح دون غيره لان الشمس النبوة كانت الرؤيا مبادى أنوارها فما زال ذلك النور يتسع حتى أشرقت الشمس فمن كان باطنه نوريا كان في التصديق بكريا كأبي بكر ومن كان باطنه مظلما كان في التكذيب خفاشا كأبي جهل وبقية الناس بين هاتين المنزلتين كل منهم بقدر ما أعطى من النور (قوله يأتي حراء) قال ابن أبي جمرة
(٣١١)