يبكي أما بكاؤه فبكاء سرور واستصغار لنفسه عن تأهيله لهذه النعمة واعطائه هذه المنزلة والنعمة فيها من وجهين أحدهما كونه منصوصا عليه بعينه ولهذا قال وسماني معناه نص علي بعيني أو قال أقرأ علي واحد من أصحابك قال بل سماك فتزايدت النعمة والثاني قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فإنها منقبة عظيمة له لم يشاركه فيها أحد من الناس وقيل إنما بكى خوفا من تقصيره في شكر هذه النعمة وأما تخصيص هذه السورة بالقراءة فلأنها مع وجازتها جامعة لأصول وقواعد ومهمات عظيمة وكان الحال يقتضي الاختصار وأما الحكمة في أمره بالقراءة على أبي قال المازري والقاضي هي أن يتعلم أبي ألفاظه وصيغة أدائه ومواضع الوقوف وصنع النغم في نغمات القرآن على أسلوب ألفه الشرع وقدره بخلاف ما سواه من النغم المستعمل في غيره ولكل ضرب من النغم مخصوص في النفوس فكانت القراءة عليه ليتعلم منه وقيل قرأ عليه ليسن عرض القرآن على حفاظه البارعين فيه المجيدين لأدائه وليسن التواضع في أخذ الانسان القرآن وغيره من العلوم الشرعية من أهلها وإن كانوا دونه في النسب والدين والفضيلة والمرتبة والشهرة وغير ذلك ولينبه الناس على فضيلة أبي في ذلك ويحثهم على الأخذ منه وكان كذلك فكان بعد النبي صلى الله عليه وسلم رأسا وإماما مقصودا في ذلك مشهورا به والله أعلم
(٢١)