بلا ضرر وفيه دليل على الحث على الاقتصاد في العبادة واجتناب التعمق وليس الحديث مختصا بالصلاة بل هو عام في جميع أعمال البر قوله صلى الله عليه وسلم فإن الله لا يمل حتى تملوا هو بفتح الميم فيهما وفي الرواية الأخرى لا يسأم حتى تسأموا وهما بمعنى قال العلماء الملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى فيجب تأويل الحديث قال المحققون معناه لا يعاملكم معاملة المال فيقطع عنكم ثوابه وجزاءه وبسط فضله ورحمته حتى تقطعوا عملكم وقيل معناه لا يمل إذا مللتم وقاله ابن قتيبة وغيره وحكاه الخطابي وغيره وأنشدوا فيه شعرا قالوا ومثاله قولهم في البليغ فلان لا ينقطع حتى يقطع خصومه معناه لا ينقطع إذا انقطع خصومه ولو كان معناه ينقطع إذا انقطع خصومه لم يكن له فضل على غيره وفي هذا الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته لأنه أرشده إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة ولا ضرر فتكون النفس أنشط والقلب منشرحا فتتم العبادة بخلاف من تعاطى من الأعمال ما يشق فإنه بصدد أن يتركه أو بعضه أو يفعله بكلفة وبغير انشراح القلب فيفوته خير عظيم وقد ذم الله سبحانه وتعالى من اعتاد عبادة ثم أفرط فقال تعالى ابتدعوها ما كتبناها عليهم الا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها وقد ندم عبد الله بن عمرو بن العاص على تركه قبول رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخفيف العبادة ومجانبة التشديد قوله صلى الله عليه وسلم وان أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وان قل هكذا ضبطناه دووم عليه وكذا هو في معظم النسخ دووم بواوين ووقع في بعضها دوم بواو واحدة والصواب الأول وفيه الحث على المداومة على العمل وأن قليله الدائم خير من كثير ينقطع وإنما كان القليل الدائم خيرا من الكثير المنقطع لان بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والاخلاص والاقبال على الخالق سبحانه وتعالى ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة
(٧١)