هذا والله أمير المؤمنين وإن تربدت فيه وجوه ورغمت فيه معاطس، أما والله!
لهو أمير المؤمنين، وأمس برسول الله رحما، وأقرب قرابة، وأقدم سبقا، وأكثر علما وأعلى منارا، وأكثر آثارا من أبيك ومن عمر.
فقالت: أبيت ذلك، فقال: أما والله! أن كان إباؤك فيه لقصير المدة عظيم التبعة ظاهر الشوم بين النكد، وما كان إباؤك فيه إلا حلب شاة، حتى صرت ما تأمرين ولا تنهين ولا ترفعين ولا تضعين، وما كان مثلك إلا كمثل ابن الخضرمي بن نجمان أخ بني أسد، حيث يقول:
ما زال إهداء القصائد بيننا * شتم الصديق وكثرة الألقاب حتى تركتهم كأن قلوبهم * في كل مجمعة طنين ذباب قال: فأراقت دمعتها وأبدت عويلها وتبدأ نشيجها، ثم قالت: أخرج والله عنكم، فما في الأرض بلد أبغض إلي من بلد تكونون فيه.
فقال ابن عباس رحمه الله: فلم؟ والله ماذا بلاءنا عندك ولا بصنيعنا إليك، إنا جعلناك للمؤمنين أما وأنت بنت أم رومان، وجعلنا أباك صديقا وهو ابن أبي قحافة [حامل قصا الودك لابن جذعان إلى أضيافه].
فقالت: يا ابن عباس تمنون علي برسول الله؟ فقال: ولم لا نمن عليك بمن لو كان منك قلامة منه مننتنا به، ونحن لحمه ودمه ومنه وإليه، وما أنت إلا حشية من تسع حشايا خلفهن بعده، لست بأبيضهن لونا ولا بأحسنهن وجها ولا بأرشحهن عرقا ولا بأنضرهن ورقا ولا بأطراهن أصلا، فصرت تأمرين فتطاعين وتدعين فتجابين، ما مثلك إلا كما قال أخو بني فهر:
مننت على قومي فأبدوا عداوة * فقلت لهم كفوا العداوة والشكرا ففيه رضا من مثلكم لصديقه * وأحج بكم أن تجمعوا البغي والكفرا قال: ثم نهضت وأتيت أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرته بمقالتها وما رددت