فبعث إلى علي بن أبي طالب، فأتاه، فقال: يا أبا الحسن أسمعت رسول الله يقول ما حكاه أبو ذر؟ وقص عليه الخبر، فقال علي: نعم. فقال: فكيف تشهد؟ قال: لقول رسول الله: " ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر ".
فلم يقم بالمدينة إلا أياما حتى أرسل إليه عثمان: والله لتخرجن عنها!
قال: أتخرجني من حرم رسول الله؟ قال: نعم وأنفك راغم؟ قال: فإلى مكة؟
قال: لا، قال: فإلى البصرة؟ قال: لا، قال: فإلى الكوفة؟ قال: لا، ولكن إلى الربذة التي خرجت منها حتى تموت فيها! يا مروان أخرجه ولا تدع أحدا يكلمه، الحديث (1).
فقال ابن أبي الحديد: واعلم أن الذي عليه أكثر أرباب السيرة وعلماء الأخبار والنقل: أن عثمان نفى أبا ذر أولا إلى الشام، ثم استقدمه إلى المدينة لما شكا منه معاوية، ثم نفاه من المدينة إلى الربذة لما عمل بالمدينة نظير ما كان يعمل بالشام.
أصل هذه الواقعة: أن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم وغيره بيوت الأموال، واختص زيد بن ثابت بشئ منها، جعل أبو ذر يقول بين الناس وفي الطرقات والشوارع: بشر الكانزين بعذاب أليم، ويرفع بذلك صوته ويتلو قوله تعالى: " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم " فرفع ذلك إلى عثمان مرارا وهو ساكت.
ثم إنه أرسل إليه مولى من مواليه: أن انته عما بلغني عنك. فقال أبو ذر: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله تعالى، وعيب من ترك أمر الله تعالى؟ فوالله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحب إلي وخير لي من أن