الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٣٦٢
والخير مع عدم الإسراف والتبذير في ذلك كما قال الله تعالى: " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا " وكما قال عز وجل في وصف عباده الذين أثنى عليهم: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " و كما تدل عليه السنة في أحاديث كثيرة. وذهب أبو ذر الغفاري رضي الله عنه إلى إنه يجب على كل شخص أن يدفع ما فضل عن حاجته من مال مجموع عنده في سبيل الله أي في سبيل البر والخير وإنه يحرم ادخاره ما زاد عن حاجته ونفقته ونفقة عياله.
هذا هو مذهب أبي ذر ولا يعلم أن أحدا من الصحابة وافقه عليه. وقد تكفل كثير من علماء المسلمين برد مذهبه وتصويب ما ذهب إليه جمهور الصحابة والتابعين بما لا مجال للشك معه في أن أبا ذر رضي الله عنه مخطئ في هذا الرأي. والحق إن هذا مذهب غريب من صحابي جليل كأبي ذر وذلك لبعده عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الظاهر الواضح، ولذلك استنكره الناس في زمنه واستغربوه منه، قال الآلوسي في تفسيره بعد ما بين مذهبه ما نصه: (وكثر المعترضون على أبي ذر في دعواه تلك وكان الناس يقرأون له آية المواريث ويقولون: لو وجب إنفاق كل المال لم يكن للآية وجه.
وكانوا يجتمعون عليه مزدحمين حيث حل مستغربين منه ذلك. ا ه‍.
ومن هذا يتبين إن هذا الرأي خطأ وصاحبه مجتهد مغفور له خطؤه بل مأجور على اجتهاده، ولكنه لا يتابع فيما أخطأ فيه بعد تبيين إنه خطأ لا يتفق هو وما يدل عليه كتاب الله وسنة رسوله وقواعد الدين الاسلامي.
ولما كان مذهبه داعيا إلى الاخلال بالنظام والفتنة بين الناس طلب معاوية والي الشام من الخليفة عثمان رضي الله عنه أن يستدعيه إلى المدينة وكان أبو ذر وقتئذ في الشام فاستدعاه الخليفة فأخذ أبو ذر يقرر مذهبه ويفتي به ويذيعه بين الناس فطلب منه عثمان: أن يقيم بجهة بعيدة عن الناس فأقام (بالربذة) (مكان بين مكة والمدينة) قال ابن كثير في تفسيره: كان من مذهب أبي ذر رضي الله عنه تحريم ادخار ما زاد على نفقة العمال. وكان يفتي بذلك ويحثهم عليه ويأمرهم به ويغلظ في خلافه فنهاه معاوية فلم ينته فخشي أن يضر بالناس في هذا فكتب يشكوه إلى عثمان وأن يأخذه إليه فاستقدمه عثمان إلى المدينة وأنزله بالربذة وحده وبها مات رضي الله عنه في خلافة عثمان.
(٣٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 ... » »»