نعم إن أبا ذر ينقم ما كان مطردا عند ذاك من السرف في العطاء من دون أي كفائة في المعطى (بالفتح) ومخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك وفي كلما يخالف السنة الشريفة واضطهاد أهل السوابق من الأمة بيد أمراء البيت الأموي رجال العيث والعبث، وكانوا يحسبون عرش ذلك اليوم قد استقر على تلكم الأعمال، فرأوا أن في الاصاخة إلى قيل أبي ذر وشاكلته من صلحاء الصحابة تزحزحا لذلك العرش عن مستقره، أو أن مهملجة الجشع الذين حصلوا على تلكم الثروات الطائلة خافوه أن يسلب ما في أيديهم إن وعى واع إلى هتافه، فتألبوا عليه وأغروا خليفة الوقت به بتسويلات متنوعة حتى وقع ما وقع، والخليفة أسير هوى قومه، ومسير بشهواتهم، مدفوع بحب بني أبيه وإن كانوا من الشجرة المنعوتة في القرآن.
وما كان أبو ذر يمنعهم عن جلب الثروة من حقها، ولا يبغي سلب السلطة عمن ملك شيئا ملكا مشروعا، لكنه كان ينقم أهل الأثرة على اغتصابهم حقوق المسلمين، وخضمهم مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، وما كان يتحرى إلا ما أراد الله سبحانه بقوله عز من قائل: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله في الجهات المالية.
أخرج أحمد في مسنده 5: 164، 176 من طريق الأحنف بن قيس قال: كنت بالمدينة فإذا أنا برجل يفر الناس منه حين يرونه قال: قلت: من أنت؟ قال: أنا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قال: قلت: ما يفر الناس منك؟ قال: إني أنهاهم عن الكنوز بالذي كان ينهاهم عنه رسول الله.
وفي لفظ مسلم في صحيحه 3: 77 قال الأحنف بن قيس: كنت في نفر من قريش فمر أبو ذر رضي الله عنه وهو يقول: بشر الكانزين بكي في ظهورهم يخرج من جنوبهم، وبكي من أقفيتهم بخرج من جباههم قال: ثم تنحى فقعد إلى سارية فقلت: من هذا؟
قالوا: هذا أبو ذر فقمت إليه فقلت: ما شئ سمعتك تقول قبيل؟ قال: ما قلت إ شيئا سمعته من نبيهم صلى الله عليه وآله قال: قلت: ما تقول في هذا العطاء؟ قال: خذه فإن فيه اليوم معونة فإذا كان ثمنا لدينك فدعه. " سنن البيهقي 6: 359 ".
وأخرج أبو نعيم في الحلية 1: 162 من طريق سفيان بن عيينة بإسناده عن أبي ذر