كثرة الناس الموجبة لتكرر الأذان هل هو كثرتهم في مركز الخلافة المدينة المنورة أو كثرتهم في العالم؟ أما الثاني فلم يكن يجديهم فيه ألف أذان، فإن صوت مؤذن المدينة لا يبلغ المدن والأمصار، ولا أن أولئك مكلفون بالإصغاء إلى أذان المدينة ولا الصلاة معه.
وأما كثرة الناس في المدينة نفسها لو تم كونها مصححا للزيادة في النداء فإنما يصحح تكثير المؤذنين في أنحاء البلد في وقت واحد لا الأذان بعد الإقامة الفاصل بينهما وبين الصلاة، وقد ثبت في السنة خلافه في الترتيب، وأحدوثة الخليفة إنما هي الزيادة في النداء بعد الإقامة لا إكثار المؤذنين كما نبه إليه التركماني في شرح السنن الكبرى للبيهقي 1: 429، ولذلك عابه عليه الصحابة، وحسبوه بدعة، ولا يخص تعدد المؤذنين بأيام عثمان فحسب، وقد كان في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله يؤذن بلال وابن أم مكتوم، واتخذ عثمان أربعة للحاجة إليها حين كثر الناس كما في شرح الآبي على صحيح مسلم 2: 136، ولا أجد خلافا في جواز تعدد المؤذنين، بل رتبوا عليه أحكاما مثل قولهم هل الحكاية المستحبة أو الواجبة كما قيل تتعدد بتعدد المؤذنين أم لا؟ وقولهم: إذا أذن المؤذن الأول، هل للإمام أن يبطئ بالصلاة ليفرغ من بعده؟ أو له أن يخرج ويقطع من بعده أذانه؟ وقولهم: إذا تعدد المؤذنون لهم أن يؤذن واحد بعد واحد، أو يؤذن كلهم في أول الوقت؟ وقال الشافعي في كتاب الأم 1: 72: إن كان مسجدا كبيرا له مؤذنون عدد فلا بأس أن يؤذن في كل منارة له مؤذن فيسمع من يليه في وقت واحد.
وظاهر ما مر في الصحيح من إنه زاد النداء الثالث هو إحداث الأذان بعد الأذان والإقامة لا الأذان قبلهما كما يأتي عن الطبراني، ويومي إليه قول بعض شراح الحديث من أن النداء الثالث ثالث باعتبار الشرعية لكونه مزيدا على الأذان بين يدي الإمام وعلى الإقامة للصلاة (1)، نعم: قال ابن حجر في فتح الباري 2: 315: تواردت الشراح على إن معنى قوله " الأذان الثالث " إن الأولين الأذان والإقامة، فتسمية ما أمر به عثمان ثالثا يستدعي سبق اثنين قبله. وقال العيني في عمدته 2: 290: إنما أطلق الأذان على الإقامة لأنها إعلام كالآذان، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: بين كل أذانين صلاة لمن