نعم لذلك كله أمر صلى الله عليه وآله بقتله وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، لكن الشيخين رؤوفا به حين وجداه يصلي تثبتا على المبدء، وتحفظا على كرامة الصلاة ومن أتى بها، وزاد عمر: إن أبا بكر خير مني ولم يقتله. أو لم يكن النبي الآمر بقتله خيرا منهما؟ أولم يكن هو مشرع الصلاة والآتي بحرمتها؟ أو لم يكن مصدقا لدى الصديق وصاحبه في قوله حول الرجل وإعرابه عن نواياه؟
كان خيرا للشيخين أن يتركا هذا التعلل الواضح فساده ويتعللا بما في لفظ أبي نعيم في الحلية من أنهما هابا أن يقتلاه، وبما أسلفناه عن ثمار القلوب للثعالبي من أنهما كعا عن الرجل. أي جبنا وضعفا وتهيبهما الرجل وإن كان مصليا غير شاك السلاح، فلعله يكون معذرا لهما عن ترك الامتثال، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لكنهما يوم عرفا نفسهما كذلك والانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره لماذا أقدما على قتل الرجل، ففوتا على النبي صلى الله عليه وآله طلبته وعلى الأمة السلام والأمن ولو بعد لأي من عمر الدهر عند ثورات الخوارج؟ وأبو بكر هذا هو الذي يحسبه ابن حزم والمحب الطبري والقرطبي والسيوطي أشجع الناس كما مر ص 200 وقد يهابه ظل الرجال في مصلاهم.
وللرجل (ذي الثدية) سابقة سوء عند الشيخين من يوم قسم رسول الله صلى الله عليه وآله غنيمة هوازن قال ذو الثدية للنبي صلى الله عليه وآله لم أرك عدلت. أو: لم تعدل هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ فقال عمر: يا رسول الله ألا أقتله؟ قال: لا، سيخرج من ضيضئ هذا الرجل قوم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم تراقيهم. تاريخ أبي الفدا ج 1 ص 148، الإمتاع للمقريزي ص 425.