قتالا كان أحب إلى الله، ومعنى الأفضل هو الأكثر ثوابا، فعلي عليه السلام إذا هو أحب المسلمين إلى الله لأنهم أثبتهم قدما في الصف المرصوص، لم يفر قط بإجماع الأمة، ولا بارزه قرن إلا قتله، أو تراه لم يسمع. قول الله تعالى: " وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما "؟ وقوله " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ثم قال سبحانه: مؤكدا لهذا البيع والشراء " ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " وقال الله تعالى: " ذلك بأنهم لا يصيبهم ظلما ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح " فمواقف الناس في الجهاد على أحوال، وبعضهم في ذلك أفضل من بعض، فمن دلف إلى الأقران واستقبل السيوف والأسنة كان أثقل على أكتاف الأعداء لشدة نكابته فيهم ممن وقف في المعركة وأعان ولم يقدم، وكذلك من وقف في المعركة وأعان ولم يقدم إلا أنه بحيث تناله السهام والنبل أعظم عناء وأفضل ممن وقف حيث لا يناله ذلك، ولو كان الضعيف والجبان يستحقان الرئاسة بقلة بسط الكف وترك الحرب وإن ذلك يشاكل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، لكان أوفر الناس حظا في الرئاسة وأشدهم لها استحقاقا حسان بن ثابت، وإن بطل فضل علي في الجهاد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أقلهم قتالا - كما زعم الجاحظ ليبطلن على هذا القياس فضل أبي بكر في الانفاق، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أقلهم مالا، وأنت إذا تأملت أمر العرب وقريش ونظرت السير وقرأت الأخبار عرفت أنها تطلب محمدا صلى الله عليه وسلم وتقصد قصده وتروم قتله، فإن أعجزها وفاتها طلبت عليا وأرادت قتله، لأنه كان أشبهم بالرسول حالا، وأقربهم منه قربا، وأشدهم عنه دفعا، وإنهم متى قصدوا عليا فقتلوه أضعفوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكسروا شوكته، إذ كان أعلى من ينصره في البأس والقوة والشجاعة والنجدة والاقدام والبسالة. ألا ترى إلى قوله عتبة ربيعة يوم بدر - وقد خرج هو وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة فأخرج إليهم الرسول نفرا من الأنصار فاستنسبوهم فانتسبوا لهم فقالوا:
ارجعوا إلى قومكم، ثم نادوا: يا محمد! - أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأهله الأدنين: قوموا يا بني هاشم! فانصروا حقكم الذي آتاكم الله على باطل