فمن كان يرجو لقاء ربه الآية فنهيه عليه السلام كان عن الإعانة مع عدم سبق الاستعانة وكذا غيره من الاخبار فلا فرق في الكراهة بين تقدم الإعانة وعدمه لكن الاستعانة عبارة الأكثر ويمكن أن يقال في شمولها لمطلق الإعانة إن باب استفعل قد يأتي لغير طلب الفعل بل للفعل نفسه كاستقر واستعلى واستبان بمعنى قر وعلا وبان وكاستيقن واستبان بمعنى أيقن وأبان فيحمل كلامهم على ذلك وذكر ابن مالك في التسهيل أنها تأتي للاتخاذ كاستأجر ويمكن الحمل عليه أيضا وذكر جماعة من المفسرين إن معنى قوله تعالى استوقد نارا حتى أوقد فهو حينئذ من هذا الباب إن قيل حمله على ذلك يوجب اختصاص الكراهة بالمعين لأنه موجد الإعانة والتكليف إنما يتوجه إلى الفاعل قلنا لما دل النص على تعلق النهى بالمتوضي تعين صرف الحكم إليه بمعنى إنه يكره له طلبها ابتداء وقبولها إن عرضت عليه لان المصدر لا يتحقق في الخارج هنا اختيارا إلا مع قبول المتوضي وأما العين فيمكن دخوله في العبارة أيضا لأنه موجد الإعانة حقيقة فيتعلق به الكراهة أيضا ولأنه معين على المكروه وقد قال تعالى تعاونوا على البر والتقوى ومثله البيع بعد الندى يوم الجمعة إذا كان أحدهما غير مخاطب بها ولو أحدث المغتسل في أثنائه أي في أثناء غسل الجنابة وما في قوله بما نكرة موصوفة أي بحدث يوجب الوضوء أعاده أي الغسل من رأس على أصح الأقوال الثلاثة لان غسل الجنابة يرفع أثر الحدث الأكبر والأصغر على تقدير وجوده قبل الغسل فهو مؤثر تام لرفعهما مع فكل جزء منه مؤثر ناقض في رفعهما بمعنى أن له صلاحية التأثير ولهذا لو أخل بلمعة يسيرة من بدنه لم يرتفع الحدث أصلا لان كمال التأثير موقوف على كل جزء من الغسل فإذا فرض وعرض حدث أصغر في أثنائه فلا بد لرفعه من مؤثر تام وهو أما الغسل بجميع أجزائه كما قررناه أو الوضوء والثاني منتفي في غسل الجنابة للاجماع على عدم مجامعة الوضوء الواجب له وما بقي من أجزاء الغسل ليس مؤثرا تاما لرفعه فلا بد من إعادته من رأس وهذا الدليل كما دل على وجوب إعادته دل على انتفاء القولين الآخرين وهما الاكتفاء بإتمامه خاصة كما اختاره ابن البراج وابن إدريس والشيخ على رحمهم الله أو اكماله والوضوء بعده كما ذهب إليه السيد المرتضى والمحقق إن قيل لا ثم إن الغسل يرفع الحدث الأكبر والأصغر معا بل إنما يرفع الأكبر المنوي رفعه ولهذا لو خلا عن مقارنة الحدث الأصغر كان رفعه منحصرا في الأكبر والأصغر لا أثر له معه سلمنا إن له أثرا لكن أثره يرتفع على جهة الاستتباع لا على جهة الاستقلال وإلا لوجب نية لحديث إنما لكل امرئ ما نوى سلمنا لكن عدم تأثير ذلك البعض المتقدم على الحدث الأصغر في رفعه يقتضى وجوب الوضوء للحدث لا إعادة الغسل وإلا لزم كون الحدث الأصغر من موجبات الغسل لاشتراك الناقض والموجب في المعنى قلنا لما دلت الأدلة بل الاجماع على أن الاحداث المتعددة سبب في وجوب الطهارة ثبت لها الحكم سواء تعددت أم اتحدت وتداخلها مع اتفاقها أو دخول الأصغر تحت الأكبر كما في الجنابة مع فرض الاجتماع لا يوجب سقوط ما ثبت لها من السببية ودل عليه الدليل وانعقد عليه الاجماع فالأصل فيها أن يكون كل واحد منها سببا تاما في سببها ولا معارض لذلك في غسل الجنابة إلا تخيل الاكتفاء بالغسل لو اجتمع الأكبر والأصغر أو وجد الأكبر خاصة فيقتضى عدم الفرق بين وجود الأصغر وعدمه ولا حقيقة لهذا الخيال لان التداخل لما ثبت للمتساويين قوة وضعفا كما في اجتماع أحداث كثيرة توجب الوضوء واكتفى بوضوء واحد باعتبار ورود النص فيه لم يبعد حينئذ دخول الأضعف تحت الأقوى حيث يرد به الشرح أيضا كما في غسل الجنابة على تقدير مجامعة للحدث الأصغر ومن هذا يعلم ضعف استلزام تأثير الأصغر نية رفعه في الغسل إذ لا يجب نية جميع الاحداث المجتمعة حيث يحكم بتداخلها وحديث إنما لكل امرئ ما نوى لا يقولون به فيما لو اجتمعت أحداث تكفى عنها طهارة واحدة أما لتخصيصه بحديث إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزاك حق واحد
(٥٧)