قال له: يا أبا عبد الله يعز علي تعبك وإنما أحضرتك لأشكو إليك أهلك: قطعوا رحمي، وطعنوا في ديني، وألبوا الناس علي، ولو ولى هذا الامر غيري ممن هو أبعد رحما مني لسمعوا له وأطاعوا، فقال جعفر عليه السلام: يا أمير المؤمنين فأين يعدل بك عن سلفك الصالح، إن أيوب عليه السلام ابتلي فصبر، وإن يوسف ظلم فغفر، وإن سليمان أعطي فشكر، فقال المنصور: قد صبرت وغفرت وشكرت.
ثم قال: يا أبا عبد الله حدثنا حديثا كنت سمعته منك في صلة الأرحام، قال:
نعم، حدثني أبي، عن جدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحب أن ينسئ في أجله ويعافى في بدنه، فليصل رحمه، قال: ليس هذا هو، قال: نعم، حدثني أبي عن جدي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: رأيت رحما متعلقا بالعرش يشكو إلى الله تعالى عز وجل قاطعها، فقلت: يا جبرئيل كم بينهم؟ فقال: سبعة آباء فقال: ليس هذا هو قال: نعم حدثني أبي، عن جدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: احتضر رجل بار في جواره رجل عاق قال الله عز وجل لملك الموت: يا ملك الموت كم بقي من أجل العاق؟ قال: ثلاثون سنة، قال: حولها إلى هذا البار، فقال المنصور:
يا غلام ائتني بالغالية فأتاه بها فجعل يغلفه بيديه، ثم دفع إليه أربعة آلاف، ودعا بدابته فأتاه بها، فجعل يقول: قدم قدم إلى أن أتى بها إلى عند سريره، فركب جعفر بن محمد عليهما السلام وعدوت بين يديه فسمعته يقول:
الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني، وإن كنت بطيئا حين يدعوني، والحمد لله الذي أسئله فيعطيني وإن كنت بخيلا حين يسئلني، والحمد لله الذي استوجب مني الشكر وإن كنت قليلا شكري، والحمد لله الذي وكلني الناس إليه فأكرمني ولم يكلني إليهم فيهينوني، يا رب كفى بلطفك لطفا، وبكفايتك خلفا.
فقلت له: يا ابن رسول الله إن هذا الجبار يعرضني على السيف كل قليل (1) وقد دعا المسيب بن زهير فدفع إليه سيفا وأمره أن يضرب عنقك، وأنى رأيتك تحرك شفتيك حين دخلت بشئ لم أفهمه عنك، فقال: ليس هذا موضعه.