ثم أبان فضل المؤمنين فقال سبحانه: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " (1) ثم وصف ما أعده من كرامته تعالى لهم، وما أعده لمن أشرك به، وخالف أمره وعصى وليه، من النقمة والعذاب، ففرق بين صفات المهتدين وصفات المعتدين، فجعل ذلك مسطورا في كثير من آيات كتابه ولهذه العلة قال الله تعالى: " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " (2).
فترى من هو الامام الذي يستحق هذه الصفة من الله عز وجل، المفروض على الأمة طاعته؟ من لم يشرك بالله تعالى طرفة عين، ولم يعصه في دقيقة ولا جليلة قط؟ أم من أنفد عمره وأكثر أيامه في عبادة الأوثان، ثم أظهر الايمان وأبطن النفاق؟ وهل من صفة الحكيم أن يطهر الخبيث بالخبيث، ويقيم الحدود على الأمة من في جنبه الحدود الكثيرة، وهو سبحانه يقول: " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " (3).
أولم يأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله بتبليغ ما عهده إليه في وصيه، وإظهار إمامته وولايته " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " (4) فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ما قد سمع.
واعلم أن الشياطين اجتمعوا إلى إبليس فقالوا له: ألم تكن أخبرتنا أن محمدا إذا مضى نكثت أمته عهده ونقضت سنته، وأن الكتاب الذي جاء به يشهد بذلك وهو قوله: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " (5) فكيف يتم هذا وقد نصب لامته علما، وأقام لهم إماما؟ فقال لهم إبليس: لا تجزعوا من هذا، فان أمته ينقضون عهده، ويغدرون بوصيه من بعده، ويظلمون أهل بيته، ويهملون ذلك لغلبة حب الدنيا على قلوبهم، وتمكن الحمية والضغائن في نفوسهم، واستكبارهم وعزهم، فأنزل الله