الظلم والعدوان في دار الدنيا المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا، والكفر في هذه الآية البراءة، يقول: فيبرأ بعضهم من بعض، ونظيرها في سورة إبراهيم عليه السلام قول الشيطان: " إني كفرت بما أشركتمون من قبل " (1) وقول إبراهيم خليل الرحمن " كفرنا بكم " (2) يعني تبرأنا منكم.
ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه فلو أن تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معايشهم، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله، فلا يزالون يبكون الدم.
ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون: " والله ربنا ما كنا مشركين " فيختم الله تبارك وتعالى على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود، فتشهد بكل معصية كانت منهم، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم " لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ " (3).
ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيفر بعضهم من بعض فذلك قوله عز وجل: " يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه " (4) فيستنطقون فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا فيقوم الرسل صلى الله عليهم فيشهدون في هذا الموطن، فذلك قوله تعالى: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " (5).
ثم يجتمعون في موطن آخر فيكون فيه مقام محمد صلى الله عليه وآله وهو المقام المحمود فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله، ثم يثني على الملائكة كلهم، فلا يبقي ملك إلا أثنى عليه محمد صلى الله عليه وآله ثم يثني على الرسل بما لم يثن عليهم أحد مثله، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين فيحمده أهل السماوات وأهل الأرض، وذلك قوله عز وجل: " عسى أن يبعثك