وإن ورد عليه ما لا يعرف لم ينكر ذلك لما قرر به نفسه من الجهالة وإن الجاهل من عد نفسه بما جهل من معرفة العلم عالما، وبرأيه مكتفيا، فما يزال للعلماء مباعدا، وعليهم زاريا، ولمن خالفه مخطئا، ولما لم يعرف من الأمور مضللا فإذا ورد عليه من الأمور ما لم يعرفه أنكره وكذب به وقال بجهالته:
ما أعرف هذا، وما أراه كان، وما أظن أن يكون، وأنى كان؟ وذلك لثقته برأيه، وقلة معرفته بجهالته، فما ينفك بما يرى مما يلتبس عليه رأيه مما لا يعرف للجهل مستفيدا وللحق منكرا، وفي الجهالة متحيرا وعن طلب العلم مستكبرا.
أي بني تفهم وصيتي واجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، وأكره له ما تكره لنفسك، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس لك ما ترضى به لهم منك، ولا تقل بما لا تعلم، بل لا تقل كلما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك.
واعلم أن الاعجاب ضد الصواب وآفة الألباب، فإذا أنت هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربك.
واعلم أن أمامك طريقا ذا مشقة بعيدة، وأهوال شديدة، وأنه لا غنى بك فيه عن حسن الارتياد (1) وقدر بلاغك من الزاد (2) وخفة الظهر، فلا تحملن على ظهرك فوق بلاغك، فيكون ثقلا ووبالا عليك، وإذا وجدت من أهل الحاجة من يحمل لك زادك فيوافيك به حيث تحتاج إليه فاغتنمه، واغتنم من استقرضك (3)