وأقول: قد عرفت ضعف بعض هذا الكلام فيما مضى، ونقول أيضا: قوله:
" ليس المراد الحلال " في محل المنع لاحتمال أن يكون اللام للعهد، أي ما بينا لكم حله، ثم ذكر سائر المحللات بعده، وذكره لعنوان الطيبات لبيان أن ما أحللناه لكم هو الطيب واقعا فكذا ما أحللناه لكم، وقوله: " لأنه إنما يعرف من الشرع " لا يصلح دليلا لعدم حمل الجواب عليه بعد بيان الله في كتابه وعلى لسان نبيه النجاسات فيفيد أن غير النجاسات المنصوص عليها حلال وما خرج عنها بدليل، ثم قوله:
" لان المأكول لا يوصف به " في محل المنع لان كثيرا من المأكولات والمشروبات تفسد العقل أو البدن، وأيضا حصر معنى الطيب فيما ذكره ممنوع إذ يحتمل أن يكون المراد بالطيب ما لم يكن فيه خبث معنوي وقبح واقعي لتضمنه ضررا دينيا أو دنيويا وإن أمكن إرجاعه إلى ما لا أذى فيه.
" ورزقناهم من الطيبات " يحتمل بعض الوجوه المتقدمة " فأخرج لكم من الثمرات رزقا لكم " إنما قال: " من الثمرات " لان جميعها لا تصلح لذلك، ويحتمل البيان.
قال البيضاوي: رزقا لكم تعيشون به وهو يشمل المطعوم والملبوس وهو مفعول " أخرج " و " من الثمرات " بيان أو حال منه، ويحتمل عكس ذلك، ويجوز أن يراد به المصدر فينصب بالعلة أو المصدر لان " أخرج " في معنى " رزق ".
" وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره " أي بمشيته إلى حيث توجهتم " وسخر لكم الأنهار " فجعلها معدة لانتفاعكم وتصرفكم، وقيل: تسخيرها هذه الأشياء تعليم كيفية اتخاذها (1).
وأقول: الآية تدل على حل ثمرات ما يخرج من الأرض وجواز الانتفاع بها أكلا وشربا ولبسا، وعلى جواز اتخاذ الفلك وركوبها، وعلى جواز الشرب من الأنهار والوضوء والغسل وسائر الانتفاعات بها إلا ما أخرجه الدليل، وكذا سقي الزروع والأشجار ورشها على الأرض وغير ذلك من الانتفاعات التي لم يرد نهي عنها