بعض الأعمال، (1) ومن أعظم الإرب فيه خلقته العجيبة الدالة على قدرة الخالق جل ثناؤه وتصرفه فيما شاء كيف شاء لضرب من المصلحة، فأما الطائر الصغير الذي يقال له: ابن تمرة فقد عشش في بعض الأوقات في بعض الشجر فنظر إلى حية عظيمة قد أقبلت نحو عشته فاغرة (2) فاها لتبلعه، فبينما هو يتقلب ويضطرب في طلب حيلة منها إذ وجد حسكة (3) فحملها فألقاها في فم الحية فلم تزل الحية تلتوي و تتقلب حتى ماتت، أفرأيت لو لم أخبرك بذلك كان يخطر ببالك أو ببال غيرك أنه يكون من حسكة مثل هذه المنفعة العظيمة؟ أو يكون من طائر صغير أو كبير مثل هذه الحيلة؟ اعتبر بهذا وكثير من الأشياء تكون فيها منافع لا تعرف إلا بحادث يحدث به والخبر يسمع به (4).
انظر إلى النحل واحتشاده في صنعة العسل وتهيئة البيوت المسدسة وما ترى في ذلك اجتماعه من دقايق الفطنة (5)، فإنك إذا تأملت العمل رأيته عجيبا لطيفا، وإذا رأيت المعمول وجدته عظيما شريفا موقعه من الناس، وإذا رجعت إلى الفاعل ألفيته غيبا جاهلا بنفسه فضلا عما سوى ذلك، ففي هذا أوضح الدلالة على أن الصواب و الحكمة في هذه الصنعة ليست للنحل بل هي للذي طبعه عليها وسخره فيها لمصلحة الناس.
انظر إلى هذه الجراد ما أضعفه وأقواه، فإنك إذا تأملت خلقه رأيته كأضعف