تعاونت وتظاهرت على الناس؟ أفلا ترى كيف حجر ذلك عليها وصارت مكان ما كان يخاف من إقدامها ونكايتها (1) تهاب مساكن الناس وتحجم عنها ثم لا تظهر ولا تنتشر لطلب قوتها إلا بالليل، فهي مع صولتها كالخائف للانس بلا مقموعة (2) ممنوعة منهم، ولولا ذلك لساورتهم في مساكنهم وضيقت عليهم (3)، ثم جعل في الكلب من بين هذه السباع عطف على مالكه ومحاماة عنه وحفاظ له، فهو ينتقل على الحيطان والسطوح في ظلمة الليل لحراسة منزل صاحبه وذب الدغار عنه (4)، ويبلغ من محبته لصاحبه أن يبذل نفسه للموت دونه ودون ماشيته وماله، ويألفه غاية الألف حتى يصبر معه على الجوع والجفوة، فلم طبع الكلب على هذه الألف إلا ليكون حارسا للانسان، له عين بأنياب ومخاليب ونباح هائل ليذعر منه السارق ويتجنب المواضع التي يحميها ويحضرها (5).
يا مفضل تأمل وجه الدابة كيف هو؟ فإنك ترى العينين شاخصتين أمامها لتبصر ما بين يديها لئلا تصدم حائطا أو تتردى في حفرة، وترى الفم مشقوقا شقا في أسفل الخطم ولو شق كمكان الفم من الانسان في مقدم الذقن لما استطاع أن يتناول به شيئا من الأرض، ألا ترى أن الانسان لا يتناول بها الطعام بفيه ولكن بيده تكرمة له على سائر الآكلات فلما لم يكن للدابة يد تتناول بها العلف جعل خطمها مشقوقا من أسفله لتقبض به على العلف ثم تقضمه، وأعينت بالجحفلة تتناول بها ما قرب وما بعد.
اعتبر بذنبها والمنفعة لها فيه فإنه بمنزلة الطبق على الدبر والحياء جميعا يواريهما ويسترهما، ومن منافعها فيه أن ما بين الدبر ومراقي البطن منها وضر يجتمع عليه الذئاب والبعوض، فجعل لها الذنب كالمذبة تذب بها عن ذلك الموضع،