والثالث: أن النحل يحصل بينها واحد كالرئيس للبقية وذلك الواحد يكون أعظم من الباقي، ويكون نافذ الحكم على تلك البقية وهم يخدمونه ويحملونه عند تعبه، وذلك أيضا من الأعاجيب.
والرابع أنها إذا ذهبت عن وكرها ذهبت مع الجمعية إلى موضع آخر، فإذا أرادوا عودها إلى وكرها ضربوا الطبول وآلات الموسيقي، وبواسطة تلك الألحان يقدرون على ردها إلى وكرها، وهذه أيضا حالة عجيبة، فلما امتاز هذا الحيوان بهذه الخواص العجيبة الدالة على مزيد الذكاء والكياسة ليس إلا على سبيل الالهام وهو حالة شبيهة بالوحي، لاجرم قال تعالى في حقها: " وأوحى ربك إلى النحل " واعلم أن الوحي قد ورد في حق الأنبياء كقوله تعالى: " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا " (1) وفي الأولياء أيضا قال تعالى: " وإذا أوحيت إلى الحواريين (2) " وبمعنى الالهام في حق البشر " وأوحينا إلى أم موسى (3) " وفي حق سائر الحيوان خاص وقال الزجاج: يجوز أن يقال: سمى هذا الحيوان نحلا لان الله تعالى نحل الناس العسل الذي يخرج من بطونها، وقال غيره: النحل يذكر ويؤنث وهي مؤنثة في لغة الحجاز، ولذلك أنثها الله، وكذلك كل جمع ليس بينه وبين الواحدة إلا الهاء " أن اتخذي " أن مفسرة لان في الايحاء معنى القول " ومما يعرشون " أي يبنون ويسقفون، وقرء بضم الراء وكسرها.
واعلم أن النحل نوعان: أحدهما ما يسكن في الجبال والغياض ولا يتعهدها أحد من الناس، والنوع الثاني التي يسكن بيوت الناس ويكون في تعهدات الناس فالأول هو المراد بقوله: " أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر " والثاني هو المراد بقوله: " ومما يعرشون " وإنما قال: " من الجبال ومن الشجر " لئلا تبنى بيوتها في كل جبل وشجر بل في مساكن يوافق مصالحها ويليق بها، واختلفوا في