قبل الواجب بيوم في أغلب الأحوال، فأولوا قول النبي صلى الله عليه وآله (صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته) بأن معناه صوموا الذي يرى الهلال في عشيته، كما يقال: تهيؤوا لاستقباله، فيقدم التهيؤ على الاستقبال! قالوا، وإن شهر رمضان لا ينقص من ثلاثين، فأما أصحاب الهيئة ومن تأمل الحال بعناية شديدة فإنهم يعلمون أن رؤية الهلال غير مطرد على سنن واحد، لاختلاف حركة القمر المرئية بطيئة و سريعة، وقربه من الأرض وبعده وصعوده في الشمال والجنوب وهبوطه فيهما و حدوث كل واحد من هذه الأحوال له في كل نقطة من فلك البروج، ثم بعد ذلك لما يعرض من سرعة غروب بعض القطع من فلك البروج وبطء بعض، وتغير ذلك على اختلاف عروض البلدان واختلاف الأهوية إما بالإضافة إلى البلاد الصافية الهواء بالطبع والكدرة المختلطة بالبخارات دائما والمغبرة في الأغلب، وإما بالإضافة إلى الأزمنة إذا غلظ في بعضها ورق في بعض وتفاوت قوى بصر الناظرين إليه في الحدة والكلال. وإن ذلك كله على اختلاف بصنوف الاقترانات كائنة في كل أول شهرين رمضان وشوال على أشكال غير معدودة، وأحوال غير محدودة فيكون لذلك رمضان ناقصا مرة وتاما أخرى، وإن ذلك كله يفتن بتزايد عروض البلدان وتناقصها، فيكون الشهر تاما في البلدان الشمالية مثلا، وناقصا هو بعينه في الجنوبية منها وبالعكس. ثم لا يجري ذلك فيها على نظم واحد، بل لا يتفق فيها أيضا حالة واحدة بعينها لشهر واحد مرارا متوالية وغير متوالية، فلو صح عملهم مثلا بتلك الجداول واتفق مع رؤية الهلال أو تقدمه يوما واحدا كما أصلوا لاحتاجوا إلى إفرادها لكل عرض، على أن اختلاف الرؤية ليس متولدا من جهة العرض فقط، بل لاختلاف أطوال البلدان فيها أوفر نصيب، فإذن لا يمكن ما ذكروه من تمام شهر رمضان أبدا، ووقع أوله وآخره في جميع المعمورة من الأرض متفقا، كما يخرجه الجدول الذي يستعملونه. فأما قولهم إن مقتضى الخبر المأثور تقديم الصوم والفطر على الرؤية فباطل، وذلك أن حرف اللام يقع على المستأنف كما ذكروه، ويقع على الماضي، كما يقال: كتب لكذا مضى من الشهر
(٣٥٥)