كما منع دانيال من قتل بخت نصر الذي كان قضى الله أن يقتل بني إسرائيل، فتركه الحجاج وتوعده إن عاد لمثل مقالته، فعاد لمثل مقالته واتصل بالحجاج الخبر فطلبه فاختفى مدة ثم ظفر به فلما هم بضرب عنقه إذ قد ورد عليه كتاب عبد الملك فاحتبسه الحجاج وكتب إلى عبد الملك كيف تأخذ إليك عدوا مجاهرا يزعم أنه يقتل من أنصار بني أمية كذا وكذا ألفا، فبعث إليه إنك رجل جاهل لئن كان الخبر فيه باطلا فما أحقنا برعاية حقه لحق من خدمنا وإن كان الخبر فيه حقا فإنه سنربيه ليسلط علينا كما ربى فرعون موسى عليه السلام حتى سلط عليه، فبعث به الحجاج وكان من المختار ما كان، وقتل من قتل وقال علي بن الحسين عليهما السلام لأصحابه وقد قالوا له: يا ابن رسول الله إن أمير المؤمنين عليه السلام ذكر من أمر المختار ولم يقل متى يكون قتله لمن يقتل، فقال علي بن الحسين (صدق أمير المؤمنين) أولا أخبركم متى يكون؟ قالوا: بلى قال: يوم كذا إلى ثلاث سنين من قولي هذا، وسيؤتى برأس عبيد الله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن في يوم كذا وكذا وسنأكل وهما بين أيدينا ننظر إليهما، قال:
فلما كان اليوم الذي أخبرهم أنه يكون فيه القتل من المختار لأصحاب بني أمية كان علي بن الحسين عليهما السلام مع أصحابه على مائدة إذ قال لهم: معاشر إخواننا طيبوا أنفسكم فإنكم تأكلون وظلمة بني أمية يحصدون، قالوا: أين؟ قال: في موضع كذا يقتلهم المختار، وسيؤتى برأسين يوم كذا وكذا، فلما كان في ذلك اليوم اتي بالرأسين لما أراد أن يقعد للأكل، وقد فرغ من صلاته فلما رآهما سجد وقال:
الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني فجعل يأكل وينظر إليهما، فلما كان في وقت الحلوا لم يأت بالحلوا لأنهم كانوا قد اشتغلوا عن عمله بخبر الرأسين فقال ندماؤه ولم يعمل اليوم الحلوا؟ فقال علي بن الحسين عليهما السلام: لا نريد حلوا أحلى من نظرنا إلى هذين الراسين.
ثم عاد إلى قول أمير المؤمنين عليه السلام قال: وما للكافرين والفاسقين عند الله أعظم وأوفى.