بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩ - الصفحة ٣٠٩
للأغنياء، الذين يأمرون بالخير ويتركونه، وينهون عن الشر ويرتكبونه، فقال يا معاشر اليهود: " أتأمرون الناس بالبر " بالصدقات وأداء الأمانات " وتنسون أنفسكم " فلا تفعلون ما به تأمرون " وأنتم تتلون الكتاب ": التوراة الآمرة بالخيرات، الناهية عن المنكرات، المخبرة عن عقاب المتمردين، وعن عظيم الشرف الذي يتطول الله به على الطائعين المجتهدين " أفلا تعقلون " ما عليكم من عقاب الله تعالى في أمركم بما به لا تأخذون، وفي نهيكم عما أنتم فيه منهمكون، وكان هؤلاء قوم من رؤساء اليهود و علمائهم احتجنوا أموال الصدقات والمبرات فأكلوها واقتطعوها، ثم حضروا رسول الله صلى الله عليه وآله وقد حرشوا (1) عليه عوامهم، يقولون: إن محمدا قد تعدى طوره وادعى ما ليس له، فجاؤوا بأجمعهم إلى حضرته وقد اعتقد عامتهم أن يقعوا برسول الله صلى الله عليه وآله فيقتلوه. ولو أنه في جماهير من أصحابه لا يبالون بما أتاهم به الدهر فلما حضروه وكانوا بين يديه قال له رؤساؤهم وقد واطؤوا عوامهم على أنهم إذا أفحموا محمدا وضعوا عليه سيوفهم، فقال رؤساؤهم: جئت يا محمد تزعم أنك رسول رب العالمين نظير موسى و (سائر خ ل) الأنبياء المتقدمين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما قولي: إني رسول الله فنعم، وأما أن أقول: إني نظير موسى والأنبياء فما أقول هذا، وما كنت لاصغر ما قد عظمه الله تعالى من قدري، بل قال ربي: يا محمد إن فضلك على جميع النبيين والمرسلين والملائكة المقربين كفضلي - وأنا رب العزة - على سائر الخلق أجمعين وكذلك قال الله تعالى لموسى عليه السلام لما ظن أنه قد فضل على جميع العالمين، فغلظ ذلك على اليهود وهموا أن يقتلوه فذهبوا يسلون سيوفهم فما منهم أحد إلا وجد يديه إلى خلفه كالمكتوف يابسا لا يقدر أن يحركهما وتحيروا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله - وقد رأى ما بهم من الحيرة -: لا تجزعوا فخير (2) أراد الله تعالى بكم، منعكم من الوثوب على وليه وحبسكم على استماع حجته في نبوة محمد ووصية أخيه علي.

(1) حرش بين القوم: أغرى بعضهم ببعض. وفى المصدر: وقد حشروا عليه عوامهم.
(2) في نسخة: فخيرا اراده الله تعالى بكم.
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 ... » »»
الفهرست