بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ١٨٨
ورابعها: أن المراد به وصف حالهم يوم القيامة فهو مثل قوله: " إذ الأغلال في أعناقهم فهم مقمحون " أراد أن أيديهم لما غلت إلى أعناقهم ورفعت الأغلال أذقانهم و رؤوسهم صعدا فهم مرفوع الرأس برفع الأغلال إياها، والمقمح: الغاض بصره بعد رفع رأسه. " وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون " (1) هذا على أحد الوجهين تشبيه لهم بمن هذه صفته في إعراضهم عن الايمان وقبول الحق، وذلك عبارة عن خذلان الله إياهم لما كفروا، فكأنه قال: وتركناهم مخذولين فصار ذلك

(١) قال الرضى رحمه الله: وهاتان استعارتان، ومن أوضح الأدلة على ذلك أن الكلام كله في أوصاف القوم المذمومين، وهم في أحوال الدنيا دون الآخرة، ألا ترى قوله تعالى بعد ذلك: " سواء عليهم، أأنذرتهم أم لم تنذرهم فهم لا يؤمنون " وإذا كان الكلام محمولا على أحوال الدنيا دون الآخرة وقد علمنا أن هؤلاء القوم الذين ذهب الكلام إليهم كان الناس يشاهدونهم غير مقمحين بالاغلال ولا مضروبا عليهم بالاسداد علمنا أن الكلام خرج مخرج قوله سبحانه: " ختم الله على قلوبهم " الخ فكان ذلك وصف لما كان عليه الكفار عند سماع القرآن من تنكيس الادقان ولى الأعناق ذهابا عن الرشد، واستكبارا عن الانقياد للحق، وضيق صدورهم بما يرد عليهم من صوادع البيان وقوارع القرآن; وقد اختلف في معنى الاقماح فقال قوم: هو غض الابصار واستشهدوا بقول بشر بن أبي حازم في ذكر السقيفة: ونحن على جوانبها قعود. نغض الطرف كالإبل القماح. وقال قوم: المقمح الرافع رأسه صعدا فكان هؤلاء المذمومين شبهوا على المبالغة في وصف تكارههم للايمان، وتضايق صدورهم لسماع القرآن بقوم عوقبوا فجذبت أعناقهم بالاغلال إلى صدورهم مضمومة إليها أيمانهم ثم رفعت ليكون ذلك أشد لايلامهم وأبلغ في عذابهم. وقيل: إن المقمح: الغاض بصره بعد رفع رأسه، فكأنه جامع بين الصفتين جميعا. وقيل: إن قوله تعالى: " فهي إلى الأذقان " يعنى به أيمانهم المجموعة بالاغلال إلى أعناقهم، فاكتفى بذكر الأعناق من الايمان، لان الاغلال تجمع بين الايمان والأعناق، وكذلك معنى السد المجعول بين أيديهم ومن خلفهم إنما هو تشبيه بمن قصر خطوه، واخذت عليه طرقه، ولما كان ما يصيبهم من هذه المشاق المذكورة والأحوال المذمومة إنما هو عقيب تلاوة القرآن عليهم، ونفت قوارعه في أسماعهم حسن أن يضيف سبحانه إلى نفسه فيقول:
انا جعلناهم على تلك الصفات. وقد قرئ سدا بالفتح وسدا بالضم، وقيل: إن السد بالفتح ما يصنعه الناس، وبالضم: ما يصنعه الله تعالى. وقال بعضهم: المراد بذكر السد ههنا الاخبار عن خذلان الله إياهم وتركه نصرهم ومعونتهم، كما تقول العرب في صفة الضال المتحير: فلان لا ينفذ في طريق يسلكه، ولا يعلم أمامه أم وراءه خير له. وأما قوله سبحانه: " فأغشيناهم فهم لا يبصرون " فهو أيضا في معنى الختم والطبع، وواقع على الوجه الذي يقعان عليه، وقد تقدم ايماؤنا إليه.
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331