بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤ - الصفحة ١٣٩
العباد، وأنها نفس فعله الأشياء، وبذلك جاء الخبر عن أئمة الهدى. ثم أورد هذه الرواية.
ثم قال: هذا نص على اختياري في الإرادة، وفيه نص على مذهب لي آخر، وهو أن إرادة العبد تكون قبل فعله، وإلى هذا ذهب البلخي، والقول في تقدم الإرادة للمراد كالقول في تقدم القدرة للفعل، وقوله عليه السلام: " إن الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد الفعل " صريح في وجوب تقدمها للفعل إذ كان الفعل يبدو من العبد بعدها، ولو كان الامر فيها على مذهب الجبائي لكان الفعل بادئا في حالها ولم يتأخر بدوه إلى الحال التي هي بعد حالها.
5 - التوحيد: في خبر الفتح بن يزيد، عن أبي الحسن عليه السلام قال: إن لله إرادتين و مشيئتين: إرادة حتم، (1) وإرادة عزم، (2) ينهي وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء، أو ما رأيت الله نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وهو شاء ذلك إذ لو لم يشأ لم يأكلا، ولو أكلا لغلبت مشيئتهما مشيئة الله، وأمر إبراهيم بذبح ابنه وشاء أن لا يذبحه، ولو لم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله عز وجل. والخبر بإسناده أوردناه في باب جوامع التوحيد.
بيان: قوله عليه السلام: وهو شاء ذلك، قيل: أي علم ذلك، (3) والأظهر أن يقال:
إنه لما لم يصرفهما عن إرادتهما وكلهما إلى اختيارهما للمصالح العظيمة فكأنه شاء

(١) ولا يتخلف المراد عنها كما هو شأن إرادته بالنسبة إلى أفعال نفسه.
(٢) يمكن تخلف المراد عنها كما هو شأن إرادته تعالى بالنسبة إلى أفعال العباد.
(٣) ويؤيد ذلك ما حكى عن الفقه الرضوي من أنه قال عليه السلام: قد شاء الله من عباده المعصية وما أراد، وشاء الطاعة وأراد منهم لان المشيئة مشيئة الامر ومشيئة العلم، وإرادته إرادة الرضا و إرادة الامر، أمر بالطاعة ورضى بها، وشاء المعصية - يعنى علم من عباده المعصية - ولم يأمرهم بها. الخبر.
وقال الصدوق - بعد إيراد هذا الخبر -: إن الله تبارك وتعالى نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة وقد علم أنهما يأكلان منها، لكنه عز وجل شاء أن لا يحول بينهما وبين الاكل منها بالجبر والقدرة، كما منعهما من الاكل منهما بالنهي والزجر، فهذا معنى مشيئته فيهما، ولو شاء عز وجل منعهما من الاكل بالجبر ثم أكلا منها لكانت مشيئتهما قد غلبت مشيئته كما قال الإمام عليه السلام، تعالى الله عن العجز علوا كبيرا. انتهى.
أقول: ويمكن أن يوجه الخبر أيضا بأن إسناد مشيئة الاكل وعدم الذبح ونحوهما في أمثال تلك الأخبار إلى الله تعالى اسناد للفعل إلى علته البعيدة، فان العبد وقدرته لما كانت مخلوقة لله تعالى فهو سبحانه علة بعيدة لأفعاله، فصح نسبة ذلك إليه بهذا الاعتبار، كما هو الشأن في جميع العلل الطولية، فلذا ترى صحة اسناد البناء إلى البناء لأنه كان يباشره، والى الامر لأنه أقدره على ذلك ومكنه منه. وللحديث توجيهات أخرى لا يسعنا ذكرها هنا.
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * (أبواب تأويل الآيات والاخبار الموهمة لخلاف ما سبق) * باب 1 تأويل قوله تعالى: خلقت بيدي، وجنب الله، ووجه الله، ويوم يكشف عن ساق، وأمثالها، وفيه 20 حديثا. 1
3 باب 2 تأويل قوله تعالى: ونفخت فيه من روحي، وروح منه، وقوله صلى الله عليه وآله: خلق الله آدم على صورته، وفيه 14 حديثا. 11
4 باب 3 تأويل آية النور، وفيه سبعة أحاديث. 15
5 باب 4 معنى حجرة الله عز وجل، وفيه أربعة أحاديث. 24
6 باب 5 نفي الرؤية وتأويل الآيات فيها، وفيه 33 حديثا. 26
7 * (أبواب الصفات) * باب 1 نفي التركيب واختلاف المعاني والصفات، وأنه ليس محلا للحوادث والتغييرات، وتأويل الآيات فيها، والفرق بين صفات الذات وصفات الأفعال، وفيه 16 حديثا. 62
8 باب 2 العلم وكيفيته والآيات الواردة فيه، وفيه 44 حديثا. 74
9 باب 3 البداء والنسخ، وفيه 70 حديثا. 92
10 باب 4 القدرة والإرادة، وفيه 20 حديثا. 134
11 باب 5 أنه تعالى خالق كل شيء، وليس الموجد والمعدم إلا الله تعالى وأن ما سواه مخلوق، وفيه خمسة أحاديث. 147
12 باب 6 كلامه تعالى ومعنى قوله تعالى: قل لو كان البحر مدادا، وفيه أربعة أحاديث. 150
13 * أبواب أسمائه تعالى وحقائقها وصفاتها ومعانيها * باب 1 المغايرة بين الاسم والمعنى وأن المعبود هو المعنى والاسم حادث، وفيه ثمانية أحاديث. 153
14 باب 2 معاني الأسماء واشتقاقها وما يجوز إطلاقه عليه تعالى وما لا يجوز، وفيه 12 حديثا. 172
15 باب 3 عدد أسماء الله تعالى وفضل إحصائها وشرحها، وفيه ستة أحاديث. 184
16 باب 4 جوامع التوحيد، وفيه 45 حديثا. 212
17 باب 5 إبطال التناسخ، وفيه أربعة أحاديث. 320
18 باب 6 نادر، وفيه حديث. 322