بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٢١٢
واختلفوا في المزاج والخلاص فزعم بعضهم أن النور دخل الظلمة، والظلمة تلقاه بخشونة وغلظ فتأذى بها، وأحب أن يرققها ويلينها ثم يتخلص منها، وليس ذلك لاختلاف جسمها، ولكن كما أن المنشار جنسه حديد وصفيحته لينة وأسنانه خشنة فاللين في النور والخشونة في الظلمة وهما جنس واحد، فيلطف النور بلينه حتى يدخل فيما بين تلك الفرج فما أمكنه إلا بتلك الخشونة، فلا يتصور الوصول إلى كمال ووجود إلا بلين وخشونة.
وقال بعضهم: بل الظلام لما احتال حتى تشبث بالنور من أسفل صفيحته ودرجه فاجتهد النور حتى يتخلص منه ويدفعها عن نفسه اعتمد عليه فلجج فيه وذلك بمنزلة الانسان الذي يريد الخروج من وحل وقع فيه فيعتمد على رجله ليخرج فيزداد لجوجا فيه، فاحتاج النور إلى زمان ليعالج التخلص منه والتفرد بعالمه.
وقال بعضهم: إن النور إنما دخل الظلام اختيارا ليصلحها ويستخرج منه أجزاء صالحة لعالمه، فما دخل تشبث به زمانا فصار يفعل الجور والقبيح اضطرار لا اختيارا، ولو انفرد في عالمه ما كان يحصل منه إلا الخير المحض والحسن البحت، (1) وفرق بين الفعل الضروري وبين الفعل الاختياري.
الثاني: مذهب المانوية أصحاب ماني الحكيم الذي ظهر في زمان سابور بن أردشير، وذلك بعد عيسى عليه السلام أخذ دينا بين المجوسية والنصرانية، وكان يقول بنبوة المسيح عليه السلام، ولا يقول بنبوة موسى عليه السلام. حكى محمد بن هارون المعروف بأبي عيسى الوراق أن الحكيم ماني زعم أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين:
أحدهما نور والآخر ظلمة، وأنهما أزليان لم يزالا ولن يزالا، وأنكر وجود شئ لا من الأصل قديما، وزعم أنهما لم يزالا قويين حساسين، سميعين بصيرين، وهما مع ذلك في النفس والصورة والفعل والتدبير متضادان، والخير والشر متحاذيان تحاذي الشخص والظل، والنور جوهره حسن فاضل كريم صاف نقي طيب الريح حسن المنظر، ونفسه خيرة كريمة حليمة نافعة عالمة، وفعله الخير والصلاح والنفع والسرور والترتيب

(1) البحت: الصرف الخالص.
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309