كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ١٥٦
وليس الانكار يقوم مقام الاقرار ولا مجرد النفي بقادح في الاثبات وإذا اتفق على رواية شئ يجمع أهل النقل كان ذلك حجة على من له تمييز وعقل فإن قالوا كيف يصح في ذلك الاتفاق وقد روى أن الآية نزلت في عبد الله بن سلام قلنا يصح لنا ذلك من حيث إن هذه رواية واحدة واخبار الآحاد لا تزيل الاتفاق الحاصل من جملة الاخبار والقول الشاذ لا يقدح في الاجماع على أن الذي روى بأنها نزلت في عبد الله بن سلام قد تصفحت عليه الحال واشتبهت القصة بشهادة نقاد الاخبار وذلك أنه لما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه قالت اليهود والله لا جالسناك ولا كلمناك ولنقطعن ولايتنا منك ومن أصحابك ولا نصرناك فشكا ذلك إلى رسول الله فأنزل الله تعالى * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) * المائدة فخرج النبي صلى الله عليه وآله إلى المسجد فقال هل سال سائل فأعطاه أحدا شيئا قالوا نعم يا رسول الله رجل كان في المسجد يسئل فأعطاه علي عليه السلام خاتمه وهو راكع فقال النبي صلى الله عليه وآله الله أكبر ان الله تعالى قد انزل فيه قرآنا وتلا عليهم الآيتين ثم دعا عبد الله بن سلام وأصحابه فقال لهم قد عوضكم الله من اليهود أولياء وتلا عليهم الآيتين فظن بعضهم من أهل الغفلة انها من أجل ذلك نزلت في عبد الله بن سلام ومن رجع إلى كتب التفاسير ونقل أصحاب الحديث علم أن الامر على ما وصفناه والكاف والميم في قوله سبحانه وليكم خطاب لجميع الأمة حاضرهم وغائبهم وموجودهم ومن سيوجد منهم وهو كقوله كتب عليكم الصيام وانما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله عبد الله بن سلام وأصحابه وتلا عليهم الآيتين ليبشرهم بدخولهم في جملة من يكون وليهم الله ورسوله وأمير المؤمنين فان قالوا إن الآية تضمنت ذكر الجميع بقوله والذين آمنوا فكيف يصح لكم انها في واحد قلنا لهم قد يعبر بلفظ الجمع تعظيما لشأنه ولا ينكر ذلك في اللغة بل يستعمله أهلها وقد قال الله عز وجل * (انا أرسلنا نوحا إلى قومه) * وقال تعالى * (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) * الحجر وقد علمنا أن الله ارسل نوحا وحده وانه نزل الذكر وحافظه ونظير ذلك كثير فإن قالوا ما أنكرتم يكون المراد بقوله والذين آمنوا الجميع ويكون المعنى فيه انهم المؤمنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم في اتيانها خاشعون متواضعون لا يمنون ولا يتكبرون ويكون هذا معنى قوله راكعون دون ما ذهبتم إليه من أن يؤتى الزكاة في حال ركوعه قلنا هذا غير صحيح لأن الركوع لا يفهم في اللغة والشرع معا إلا أنه التطأطؤ المخصوص دون التواضع والخضوع وإنما يوصف الخاضع بأنه راكع على سبيل المجاز والتشبيه قال الخليل بن أحمد صاحب كتاب العين كل من ينكب لوجهه فمس ركبته الأرض أو لا تمسها راكع وانشد للبيد أخبر اخبار القرون التي مضت أدب كأني
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»