التأسف والتألم والتأمل في سر ذلك وسببه حتى صارت نفسه مرتهنة به لا تتخلص إلا بزواله وكل ما حبس به شيء فذلك الشيء رهنة ومرتهنة (لو تركته تعجب) أي لو تركت ما خطر في نفسك تعجب وتسر منه لأن ذلك الخاطر يوجب الحزن الشديد للمؤمن بلا منفعة والاضطراب لغيره وكل ما كان كذلك كان تركه أعجب وأولى، هذا من باب الاحتمال والله أعلم بحقيقة الحال.
ثم أشار إلى أن الحق ضعيف وأهله قليل لما في طبع أكثر الخلق من الميل إلى الباطل بقوله (إن رضا الله وطاعته ونصيحته) أي نصيحة الله لخلقه بدعائه إلى ما هو خير لهم في الدنيا والآخرة أو نصيحتهم لأنفسهم بالتزام مرضاة الله تعالى أو نصيحتهم لله وهي راجعة إلى نصيحتهم لأنفسهم وهي الإيمان بالله ونفي الشريك وترك الإلحاد في ذاته وصفاته وتنزيهه عن النقايص والقيام بطاعته والاجتناب عن معصيته والحب له والبغض فيه ومولاة من أطاعه ومعاداة من عصاه والاعتراف بنعمته والشكر عليها أو نصيحتهم لأئمة المسلمين بمعرفة حقوقهم ومعاونتهم على الحق وتأليف قلوب الناس بطاعتهم أو نصيحة عامة الناس بإرشادهم إلى مصالحهم وكف الأذى عنهم وستر عورتهم وسد خلتهم وغير ذلك من حقوقهم أو الأعم من الجميع (لا تقبل ولا توجد ولا تعرف) النشر غير مرتب أو كل لكل (إلا في عباد غرباء) الغريب من فارق أهله أو فارقوه فكل مؤمن لم يجد مؤمنا في منزل الإيمان وفارقه الناس ومالوا إلى الكفر والعصيان فهو غريب في دار الغربة وهي الدنيا وهم عليهم السلام كانوا كذلك لمفارقة الناس عنهم وخروجهم عن مسكن الإسلام وموطن الإيمان (أخلاء من الناس) الاخلاء جمع الخلي كالأشراف جمع الشريف، والمراد بالخلي الفارغ من الناس والمعتزل من اشرارهم (قد اتخذهم الناس سخريا) أي هزوا وهو بالكسر والضم مصدر زيدت الياء للمبالغة ولذلك لم يجمع (لما يرمونهم به من المنكرات) لزعمهم أن ما هم عليه من الخيرات منكرات وحمل المنكرات على الأمور الشاقة الشديدة من الأقوال وغيرها محتمل وكان يقال: (لا يكون المؤمن مؤمنا) كاملا (حتى يكون أبغض إلى الناس من جيفة الحمار) وجه ذلك أن المؤمن قليل والجاهل كثير لقلة العلم وغلبة الجهل وبين العلم والجهل والعالم والجاهل تضاد وتعاند فالجاهلون المذمومون بلسان الكتاب والرسول يذمون المؤمن العالم ويبغضونه لترويج جهلهم وإخفاء فضله وشرفه وكل من علمه أكثر وأتم كان بغضهم له أكمل وأعظم (ولولا أن يصيبك من البلاء مثل الذي أصابنا فتجعل فتنة الناس كعذاب الله - وأعيذك بالله وإيانا من ذلك - لقربت على بعد منزلتك) المراد بالبلاء هنا الفتنة والبلية الواردة من قبل الناس وقوله «فتجعل» تضمين لمضمون الآية الكريمة وهي قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله) يعني إذا أوذي بأن عذبه الكفرة على إيمانه جعل عذابهم وأذاهم في الصرف عن الإيمان كعذاب الله في الصرف عن الكفر، ولولا الامتناع الثاني وهو قرب المنزلة