شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١٠ - الصفحة ١٤٩
سهلت أقبلت وانتقلت منها إلى حالة شريفة ووجه ذلك أن سنة الله في عالم الإنسان أن يكون فعله متوسطا بين عالم الملائكة وعالم الشياطين فمكن الملائكة في الخير بحيث يفعلون ما يؤمرون ويسبحون الليل والنهار ولا يفترون ومكن الشياطين في الشر بحيث لا يغفلون فجعل عالم الإنسان متلونا.
وإليه يرشد ما نقل عن أبي ذر قال: «وعلى العاقل أن تكون له ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يفكر فيها في صنع الله وساعة يخلو فيها بحاجته من المطعم والمشرب» وفيه رد على من زعم لنفسه دوام تلك الحال وأنه لا يميل معها إلى الأهل والمال اللهم إلا أن يدعي أنه خرج من جبلة البشر وتعاطى دوام الذكر وعدم الفترة التي هي من خواص الملائكة والحق أن دوام الأحوال محال عادة وإنما الذي يمكن دوامه هو المقام وهو يحصل للإنسان لسعيه وكسبه والحال تحصل بهبة ربه ولهذا قالوا المقامات مكاسب والأحوال مواهب (1) وفيه دلالة واضحة

(١) قوله: «المقامات مكاسب والأحوال مواهب» كلمة متلقاة من الصوفية ولا ضير في نقلها والاعتماد عليها والاعتناء بها إذا لم تكن من البدع ودل عليها العقل ولا ريب أن كل كمال للنفس يفيض عليها من الملاء الأعلى سواء كان علما نافعا أو خلقا حسنا، وإذا أخذته النفس والتفتت إليه واعتنت به وعملت بمقتضاه وحفظته صارت ملكة راسخة وسمى مقاما وإن لم تعتن به وأهملته وكان في معرض الزوال سمى حالا، والأصل في ذلك أن في الإنسان قوة تسمى بالقوة العاقلة وقوة اخرى تسمى بالواهمة، والشهوة والغضب وما يتضرع عليها من الأهواء من الواهمة والخير والفضائل من العاقلة، والعاقلة والواهمة قد تتفقان كشهوة طعام الحلال ودفع أعداء الدين فلا كلام وقد تتخالفان وهو الغالب وكل ما نرى من البدع والضلالات والفتن والأهواء والفسوق والمعاصي فإنما هي لغلبة القوة الواهمة على العاقلة لا لأن العاقلة معزولة لا تحكم بشيء بل لأنها مغلوبة لا تطيعها سائر القوى ولو كانت العاقلة معزولة لكان صاحبها بمنزلة الحيوان والمجانين ولكنها آمرة لا تطاع وطريق تسخير الواهمة أن يتمرن الإنسان ويتتبع حالاته فكلما رأى حالا أفيضت عليه وأمره بها العقل تمسك ولم يهمل وعمل بها قهرا على الواهمة حتى يصير الحال راسخة والعاقلة غالبة والواهمة مغلوبة ويثبت على الخير ويحصل له المقام وليس الحال والمقام منحصرين في مرتبة بعينها من مراتب السلوك بل هما في جيمع منازل السالكين إلى الله تعالى، وهنا مطالب يسئل عنها وقد أشير إليها في مطاوي الأحاديث السابقة لابد من الإشارة إليها بتوفيق الله تعالى:
الأول: ما معنى الإيمان المعار والمستودع؟ هل تحقق عندهم اليقين بالتوحيد والنبوة أو شكوا وظنوا؟ فإن تحقق عندهم اليقين فلا يمكن زوال اليقين والضلال بعد الهداية على ما مر في الروايات فليس معارا وإن شكوا أو ظنوا فليس الشك ولا الظن إيمانا والجواب أنهم أيقنوا بعقولهم وعارض عقولهم أوهامهم نظير من يعلم يقينا إن الميت جماد والجماد لا يخاف منه ولكن يفر من الميت ولا يخضع لعقله كذلك هؤلاء وليس لهم التزام بما تحكم به عقولهم إلا في حالات خاصة لا يزاحم الدين أهواءهم وقد مر في الحديث الذي سبق في باب علامة المعار «أن الحسرة والندامة والويل كله لمن لم ينتفع بما أبصره - أه‍» وليس كل من عرف شيئا يقينا ملتزما بالعمل بيقينه كمريض يعلم ضرر طعام ويأكله متابعة لشهوته وفي ذلك الحديث أيضا من لم يكن فعله لقوله موافقا فإنما ذلك مستودع أي أبصر ولم ينتفع بما أبصره.
الثاني: قد مر في بعض الروايات أن الرجل المؤمن لا ينقل إلى الكفر فما معنى الإرتداد والأحكام الواردة للمرتد في الفقه وما معنى قوله تعالى (إن الذين كفروا - إلى قوله - ثم ازدادوا كفرا) فإن الظاهر منها متناقض والجواب أن أحكام الفقه واردة للدنيا وهذه الروايات ناظرة إلى الآخرة ولا تناقض بينهما فمظهر الإسلام محكوم بالإسلام في الدنيا فإذا ظهر منه الإنكار حكم بارتداده في الدنيا وأما بالنسبة إلى الآخرة فالمرتد لم يكن مؤمنا حقيقة والدليل عليه مع هذه الروايات أمور: الأول: أن الشك بعد اليقين خلاف العادة; لأن الإنسان قد يتفق له أن يشك في شيء ثم يتنبه لدلائل ثبوته ويتيقن به ولكن لا يتفق عادة ان يتضح لديه شيء يتقين به ويدرك الواقع على ما هو عليه بالبداهة أو بدليل صحيح ثم يشك فيه كمن رأى نارا وأدرك حرارتها بيده أو ثبت عنده أن حاصل ضرب أربعة في خمسة عشرون لم يتردد فيه إلا أن يكون المطلب مبهما وكان اقراره به أولا تخمينا ثبت بعده خطاؤه. الثاني: ما استدل به كثير من المتكلمين أن المؤمن يستحق الثواب والكافر العقاب فإذا مات المرتد على الكفر استحق الثواب على الإيمان والعقاب على الكفر ولا يمكن الجمع بينهما ولا احباط في مذهبنا ولا تكفير وحينئذ فإما ان يقدم العقاب على الكفر فيخرج منه إلى الثواب خالدا وهو غير صحيح مع موته على الكفر وإما يقدم الثواب فيخرج منه إلى العقاب الدائم على الكفر وهذا أيضا ينافي الثواب لأن انتظار العقاب حين الثواب منغص للالتذاذ به وغير مناسب للكريم تعال ولا استدراج في القيامة.
المطلب الثالث ان قيل لا منافاة بين أن يكون الإنسان مؤمنا موقنا بالله تعالى ورسالة نبيه (صلى الله عليه وآله) وان لا يعرض له شك فيها بعد الإيمان لكن يصير مرتدا بإنكار امور اخر من ضروريات الدين كالمعاد وحدوث العالم قلنا هذا غير معقول; لأن اليقين بالرسالة يقين بجميع ما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله) فإن تردد الموقن بالرسالة في شيء فإنما تردد في صحه نسبة ذلك الشيء إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو لا يستلزم الإرتداد; لأن المرتد من ينكر شيئا مع علمه بصدوره من النبي (صلى الله عليه وآله) (ش).
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب من طلب عثرات المؤمنين وعوراتهم 3
2 باب التعيير 6
3 باب الغيبة والبهت 8
4 باب الرواية على المؤمن 13
5 باب الشماتة 14
6 باب السباب 15
7 باب التهمة وسوء الظن 19
8 باب من لم يناصح أخاه المؤمن 22
9 باب خلف الوعد 24
10 باب من حجب أخاه المؤمن 25
11 باب من استعان به اخوه فلم يعنه 27
12 باب من منع مؤمنا شيئا من عنده أو من عند غيره 28
13 باب من أخاف مؤمنا 30
14 باب النميمة 31
15 باب الإذاعة 33
16 باب من أطاع المخلوق في معصية الخالق 36
17 باب في عقوبات المعاصي العاجلة 39
18 باب مجالسة أهل المعاصي 41
19 باب أصناف الناس 51
20 باب الكفر 55
21 باب دعائم الكفر وشعبه 73
22 باب صفة النفاق والمنافق 81
23 باب الشرك 92
24 باب الشك 96
25 باب الضلال 103
26 باب المستضعف 112
27 باب المرجون لأمر الله 118
28 باب أصحاب الأعراف 119
29 باب في صنوف أهل الخلاف 120
30 باب المؤلفة قلوبهم 122
31 باب في ذكر المنافقين والضلال وإبليس في الدعوة 126
32 باب في قوله تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) 127
33 باب أدنى ما يكون به العبد مؤمنا أو كافرا أو ضالا 131
34 باب ثبوت الإيمان وهل يجوز أن ينقله الله» * 135
35 باب المعارين 137
36 باب في علامة المعار 140
37 باب سهو القلب 141
38 باب في ظلمة قلب المنافق وإن أعطى اللسان ونور قلب المؤمن وإن قصر به لسانه 145
39 باب في تنقل أحوال القلب 148
40 باب الوسوسة وحديث النفس 154
41 باب الاعتراف بالذنوب والندم عليها 157
42 باب ستر الذنوب 161
43 باب من يهم بالحسنة أو السيئة 162
44 باب التوبة 167
45 باب الاستغفار من الذنب 174
46 باب «فيما أعطى الله عز وجل آدم 7 وقت التوبة» 178
47 باب اللمم 182
48 باب في أن الذنوب ثلاثة 185
49 باب تعجيل عقوبة الذنب 189
50 باب في تفسير الذنوب 193
51 باب نادر 195
52 باب نادر أيضا 197
53 باب إن الله يدفع بالعامل عن غير العامل 199
54 باب إن ترك الخطيئة أيسر من [طلب] التوبة 200
55 باب الإستدراج 201
56 باب محاسبة العمل 203
57 باب من يعيب الناس 217
58 باب أنه لا يؤاخذ المسلم بما عمل في الجاهلية 219
59 باب أن الكفر مع التوبة لا يبطل العمل 221
60 باب المعافين من البلاء 222
61 باب ما رفع عن الأمة 223
62 باب إن الإيمان لا يضر معه سيئته والكفر لا ينفع معه حسنة 226
63 باب فضل الدعاء والحث عليه 228
64 كتاب الدعاء 228
65 باب ان الدعاء سلاح المؤمن 233
66 باب أن الدعاء يرد البلاء والقضاء 236
67 باب أن الدعاء شفاء من كل داء 239
68 باب أن من دعا استجيب له 239
69 باب إلهام الدعاء 240
70 باب التقدم في الدعاء 241
71 باب اليقين في الدعاء 242
72 باب الاقبال في الدعاء 242
73 باب الإلحاح في الدعاء والتلبث 244
74 باب تسمية الحاجة في الدعاء 246
75 باب إخفاء الدعاء 246
76 باب الأوقات والحالات التي ترجى فيها الإجابة 247
77 باب الرغبة والرهبة والتضرع والتبتل والابتهال والاستعاذة والمسألة 250
78 باب البكاء 253
79 باب الثناء قبل الدعاء 257
80 باب الاجتماع في الدعاء 262
81 باب العموم في الدعاء 264
82 باب من أبطأت عليه الإجابة 264
83 باب الصلاة على النبي محمد وأهل بيته عليهم السلام 267
84 باب ما يجب من ذكر الله عز وجل في كل مجلس 276
85 باب ذكر الله عز وجل كثيرا 281
86 باب ان الصاعقة لا تصيب ذاكرا 284
87 باب الاشتغال بذكر الله عز وجل 285
88 باب ذكر الله عز وجل في السر 285
89 باب ذكر الله عز وجل في الغافلين 288
90 باب التحميد والتمجيد 289
91 باب الاستغفار 293
92 باب التسبيح والتهليل والتكبير 295
93 باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب 298
94 باب من تستجاب دعوته 301
95 باب من لا تستجاب دعوته 304
96 باب الدعاء على العدو 306
97 باب المباهلة 309
98 باب ما يمجد به الرب تبارك وتعالى نفسه 312
99 باب من قال لا إله إلا الله 316
100 باب من قال لا إله إلا الله والله أكبر 318
101 باب من قال لا إله إلا الله وحده وحده وحده 318
102 باب من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له - عشرا - 319
103 باب من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله 321
104 باب من قال عشر مرات في كل يوم: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا 321
105 باب من قال يا الله يا الله - عشر مرات - 323
106 باب من قال لا إله إلا الله حقا حقا 324
107 باب من قال يا رب يا رب 325
108 باب من قال لا إله إلا الله مخلصا 325
109 باب من قال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله 327
110 باب من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه 329
111 باب القول عند الإصباح والإمساء 330
112 باب «الدعاء عند النوم والانتباه» 354
113 باب الدعاء إذا خرج الإنسان من منزله 363
114 باب الدعاء قبل الصلاة 369
115 باب الدعاء في أدبار الصلوات 372
116 باب الدعاء للرزق 386
117 باب الدعاء للدين 397
118 باب الدعاء للكرب والهم والحزن والخوف 400
119 باب الدعاء 417
120 الدعاء للعلل والأمراض 417
121 باب الحرز والعوذة 425
122 باب الدعاء عند قراءة القرآن 434
123 باب الدعاء في حفظ القرآن 443
124 باب دعوات موجزات لجميع الحوائج للدنيا والآخرة 450
125 فهرس الآيات 515