شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٥٤
مفيدا لليقين كان له تصديق قطعي وعلم يقيني غير قابل للشبهة وهو مصدق بحسب الحقيقة وعارف بما صدق به، وهذا التصديق هو المطلوب في دين الحق ومعارفه (لأن الشاك) بدين الحق الغير الثابت الذي يمكن زوال معرفته بتوارد الشبهات (لا يكون له من الرغبة والرهبة والخضوع والتقرب مثل ما يكون من العالم المستيقن) بالله وصفاته وبدينه الذي شرعه للتقرب إليه ولصلاح الخلق عاجلا وآجلا كما قال عز شأنه (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وقال: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب). (وقد قال الله عز وجل (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون)) قيد الشهادة بالعلم وهو يفيد اشتراط قبولها (فصارت الشهادة مقبولة لعلة العلم بالشهادة) أي بالأمر المشهود ولولا العلم بالشهادة (لم يكن الشهادة مقبولة ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه ولا شبهة في أن الشهادة بالأمور الدينية والمعارف اليقينية داخلة تحت هذا الحكم بل هي من أعظم الشهادات فهي مشروطة بالعلم قطعا (والأمر في الشاك) الظاهر أن المراد بالشاك من ليس له رجحان وتصديق أصلا ومن كان لد رجحان مستند إلى تقليد أو إلى دليل ظني بقرينة تقييد العلم فيما سيأتي باليقين، إذ يفهم منه أن الشاك يشمل الأخيرين لقبول رجحانهما تشكيكا وشبهة (المؤدي) لفرائض الله تعالى (بغير علم وبصيرة) قلبية بتلك الفرائض (إلى الله جل ذكره) أي إلى مشيته من غير أن يكون قبوله واجبا عليه كما هو الواجب في صورة العلم (إن شاء تطول عليه فقبل عمله وإن شاء رد عليه) هذا إن اتفق إصابته في العمل.
إن قلت: أصحاب التقليد مع تحقق الإصابة مؤمنون من أهل الجنة، غايته أن إيمانهم دون إيمان أصحاب اليقين من أرباب المكاشفة والبراهين ودرجاتهم دون درجاتهم فكيف يصح الرد عليهم؟
قلت: أولا كون اعتقادهم إيمانا يوجب ترتب القبول والثواب والجزاء عليه غير معلوم، وثانيا، أن الايمان التقليدي قابل للزوال بطريان أدنى شبهة خصوصا عند حضور الموت واضطراب النفس وإلقاء الشياطين شبهات متكاثرة فربما ينهدم اعتقاده بتلك الشبهات لعدم ابتنائه على أصل ثابت وأساس قائم، ولقد سمعت من أثق به أنه قال: كانت لعجوزة دعوى على أحد بمال جزيل فمرضت مرضا شديدا وحضرتها في حال الاحتضار وكررت الشهادتين عليها وهي لم تتكلم بهما، فلما بالغت في ذلك قالت: إن هذا الذي حاضر يقول لا تتكلمي بهما فانهما تمنعانك من أخذ حقوقك من فلان فماتت، وربما يظهر عنده خلاف بعض عقائده وبطلانه فيصير ذلك سببا لعدم وثوقه بساير اعتقاداته فيتردد، وربما يميل قلبه إلى حب زهرات الدنيا وشهواتها فيشتغل بها ويغفل عن أمور الآخرة لعدم كونه واثقا بها ثابتا عليها فيزهق روحه وهو على تلك الحالة مسلوب الايمان نعوذ بالله من هذه المفاسد وهذا هو المراد بقوله «إن شاء تطول عليه فقبل عمله وإن شاء رد عليه» يعنى أن مشية الله
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست