شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٣٣١
القلب لأن حياة القلب حقيقة عند العامة بحياة الجسد المعروفة وقد يراد بها معنى آخر مجازي وهو حياته بالعلم والحكمة سواء كانت مع حياة الجسد أو لا فيكون ذكر البصير كالقرينة المعينة لإرادته بتلك الحياة معناها المجازي ودلالة نسبتها إلى التفكر على ذلك لا ينافيه، ويحتمل أن يراد بالبصير البصير بذلك التفكر أو البصير بنور العلم أو الفهم الذكي وفيه على الأخيرين تنبيه على أن التفكر مع وجود شئ من العلم أو مع وجود الفهم والذكاء هو النافع في الوصول إلى غاية الحكمة ونهايتها وتحصيل المطالب العالية.
والمقصود أن التفكر نور إلهي وروح رباني لقلب البصير الفهم الذكي به يصير قلبه حيا عالما عارفا يلبس رداء الحياة ويستيقظ من نوم النسيان وسهو الغفلات ويتخلص من سكرة الموت بأسقام الجهالات ويهتدي إلى وجوه المصالح الدنيوية والاخروية وما يليق به من الكمالات العقلية والنقلية والمطالب العالية وينظر بعين اليقين إلى منزل التوحيد والمعارف الالهية وينتقل إليها من المبادي الموصلة إليها فيسافر في ظلام بيداء الطبيعة البشرية إليها سريعا ويمشي في ليالي فيفاء العلايق البدنية إليها حثيثا ونور التفكر بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله يستضيء به حوله مع حزم واحتياط وحسن تخلص ونجاة من الوقوع في الباطل في مواضع يستزل فيها قدم الأفكار ويتوهم وجود قطاع الطريق من الأشرار (كما يمشي الماشي في الظلمات بالنور) يعني أن الذي قلبه حي بنور التفكر والعلم يمشي في المطالب التي هي صراط الحق ومنازل العرفان في ضباب الطبيعة وظلمات الأبدان كما يمشي الإنسان في ظلمات الليالي بنور المشاعل وضوء المصابيح وهذه استعارة على وجه التمثيل لتوضيح المقصود بتنزيل المعقول منزلة المحسوس ومتضمن لتشبيه الحركات الفكرية في مبادي المطلوب عند الجهل به بمشي الماشي في الظلمات بالنور (بحسن التخلص) الظرف إما متعلق بيمشي أو بالتفكر أو بكليهما أو حال عن الماشي أو عن المتفكر أو عنهما، أي حال كون ذلك الماشي أو المتفكر متلبسا بحسن التخلص والنجاة من مواضع الخوف وموارد الباطل باستعمال التدبيرات اللايقة والاراء الصحيحة الرايقة ويحتمل أن يكون الظرف صفة لمفعول مطلق محذوف أي مشيا أو تفكرا مقرونا بحسن التخلص.
(وقلة التربص) يعني قلة التوقف في الانتقال من المقدمات إلى المطالب كما هو شأن الذكي الفهم وفي سبيل المجاز في حال الجواز لأن التوقف والاستبطاء في وسط الصراط مع توهم الخوف بهجوم الأوباش واللئام وزوال النور بصرصر الرياح واستيلاء الظلام بعيد عن الحزم والاحتياط نعم ما قيل: «من سلك سبيل الاحتياط فليس بناكب عن الصراط» هذا حال من تفكر. وأما من لم يتفكر في دقايق المصنوعات وعجايب المخلوقات ولم ينتقل منها إلى مقام التوحيد وصفات الصانع
(٣٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 ... » »»
الفهرست