رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم " الآية. فنقول: أراد سبحانه أنه معهم بالعلم والإحاطة لا بالدنو والمقاربة، لان الامر لو كان على ذلك لكان المعنى مستحيلا، وذلك أنه تعالى لا يجوز أن يكون مع كل ثلاثة، ولا مع كل خمسة في حال واحدة على الحقيقة، لان الجسم لا يصح أن يكون في مكانين في حال واحدة، تعالى الله عن تنقل الأمكنة وتقلب الأزمنة علوا كبيرا.
ومما يبين كذب قولهم، وفساد تأويلهم، ما رواه أبو معاوية الضرير وغيره عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: " أتى النبي عليه الصلاة والسلام رجل من أهل الكتاب، فقال: يا أبا القاسم أبلغك أن الله يحمل السماوات على إصبع، والأرض على إصبع، والشجر على إصبع، والثرى على إصبع، والخلائق على إصبع؟ فضحك صلى الله عليه وآله من قوله، وأنزل الله سبحانه عقيب ذلك - وما قدروا الله حق قدره " - الآية.
وقد روى أيضا في حديث عبد الله بن عباس: أن من زعم أن الله خنصرا وبنصرا فقد أشرك بالله سبحانه، ومجال كتابنا هذا أضيق من أن نسير في أقطار الكلام على هذا الخبر أكثر من هذا المسير، وقد استقصينا ذلك في كتاب حقائق التأويل (1).