ضعفت الصلة الطبيعية أو النسبة بينهم، كالغرباء والأجانب، والطبقات البعيدة من سلالة الأقارب، كأولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات.
وبذلك تتجدد بين البشر قرابة الصهر التي تكون في المودة والرحمة كقرابة النسب، فتتسع دائرة المحبة والرحمة بين الناس.
فهذه حكمة الشرع الروحية في محرمات القرابة.
ثم قال: إن هنالك حكمة جسدية حيوية عظيمة جدا. وهي أن تزوج الأقارب بعضهم ببعض يكون سببا لضعف النسل.
فإذا تسلسلت واستمرت بتسلسل الضعف والضوى فيه إلى أن ينقطع، ولذلك سببان:
(أحدهما) وهو الذي أشار إليه الفقهاء - أن قوة النسل تكون على قدر قوة داعية التناسل في الزوجين، وهي الشهوة.
وقد قالوا: إنها تكون ضعيفة بين الأقارب.
وجعلوا ذلك علة لكراهية تزوج بنات العم وبنات العمة، إلى آخره.
وسبب ذلك، أن هذه الشهوة شعور في النفس، يزاحمه شعور عواطف القرابة المضاد له، فإما أن يزيله، وإما أن يزلزله ويضعفه.
(والسبب الثاني) يعرفه الأطباء، وإنما يظهر للعامة بمثال تقريبي معروف عند الفلاحين، وهو أن الأرض التي يتكرر زرع نوع واحد من الحبوب فيها، يضعف هذا الزرع فيها مرة بعد أخرى، إلى أن ينقطع، لقلة المواد التي هي قوام غذائه، كثرة المواد الأخرى التي لا يتغذى منها، ومزاحمتها لغذائه أن يخلص له.
ولو زرع ذلك الحب في أرض أخرى وزرع في هذه الأرض نوع آخر من الحب لمناكل منهما.
بل ثبت عند الزراع أن اختلاف الصنف من النوع الواحد من أنواع البذار يفيد.
فإذا زرعوا حنطة في أرض، وأخذوا بذرا من غلتها فزرعوه في تلك الأرض يكون نموه ضعيفا وغلته قليلة.