وهذا هو رأي مالك، والشافعي، وأحمد، والليث، وعطاء، وسفيان بن عيينة، والشعبي، والقاسم، وسالم، والزهري.
وقال عمر لبعض من حدهم في قذف:
إن تبت قبلت شهادتك!
أما (الرأي الثاني) فإنه يرى عدم قبولها، وممن ذهب إلى هذا: الأحناف، والأوزاعي، والثوري، والحسن، وسعيد بن المسيب، وشريح، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير.
وأصل هذا الخلاف هو الاختلاف في تفسير قول الله تعالى:
" ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون. إلا الذين تابوا ".
فهل الاستثناء في الآية راجع إلى الامرين معا: أي عدم قبول الشهادة، والحكم بالفسق، أو راجع إلى الامر الأخير، وهو الحكم بالفسق؟.
فمن قال إن الاستثناء راجع إلى الامرين معا، قال بجواز قبول الشهادة بعد التوبة.
ومن قال إنه راجع إلى الحكم بالفسق، قال بعدم قبولها مهما كانت توبته.
كيفية التوبة:
قال عمر رضي الله عنه:
توبة القاذف لا تكون إلا بأن يكذب نفسه في ذلك القذف الذي لا حد فيه.
وقال الذين شهدوا على المغيرة:
من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما يستقبل. ومن لم يفعل لم أجز شهادته.
فأكذب الشبل بن معبد، ونافع بن الحارث بن كلدة أنفسهما وتابا وأبى أبو بكرة أن يفعل، فكان لا يقبل شهادته.
وهذا مذهب الشعبي، ومحكي عن أهل المدينة، وقالت طائفة من العلماء:
توبته أن يصلح ويحسن حاله، وإن لم يرجع عن قوله بتكذيب، وحسبه الندم على قذفه والاستغفار منه وترك العود إليه. وهذا مذهب مالك، وابن جرير.