فإنه يعذر بجهله، ولا يقام عليه الحد. فلو لفت نظره أحد من الناس، فتمادى في شربه، فإنه لا يكون معذورا حينئذ، لارتفاع الجهالة عنه، وإصراره على ارتكاب المعصية بعد معرفته، فيستوجب العقاب ويقام عليه الحد.
وإذا تناول من الشراب ما هو مختلف في كونه خمرا بين الفقهاء، فإنه لا يقام عليه الحد: لان الاختلاف شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.
وكذلك لا يقام الحد على من تناول النئ من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالربد، الذي أجمع الفقهاء على تحريمه إذا كان جاهلا بالتحريم، لكونه بدار الحرب أو قريب عهد بالاسلام، لان جهله يعتبر عذرا من الاعذار المسقطة للحد، بخلاف من كان مقيما بدار الاسلام، وليس قريب عهد بالدخول في الاسلام، فإنه يقام عليه الحد، ولا يعذر بجهله، لان هذا مما علم من الدين بالضرورة.
عدم اشتراط الحرية والاسلام في إقامة الحد:
والحرية والاسلام ليسا شرطا في إقامة الحد، فالعبد إذا شرب الخمر فإنه يعاقب، لأنه مخاطب بالتكاليف التي أمر الله بها ونهى عنها.
إلا في بعض التكاليف التي يشق عليه القيام بها لانشغاله بأمره سيده، مثل صلاة الجمعة والجماعة.
والله سبحانه أمر باجتناب الخمر، وهذا الامر موجه إلى الحر والعبد، ولا يشق عليه اجتنابها، ويلحقه من ضررها ما يلحق الحر. وليس ثمة من فرق بينهما إلا في العقوبة، فإن عقوبة العبد على النصف من عقوبة الحر، فيكون حده عشرين جلدة أو أربعين: " حسب الخلاف في تقدير العقوبة ".
وكما لا تشترط الحرية في إقامة الحد، فإنه لا يشترط الاسلام كذلك، فالكتابيون من اليهود والنصارى الذين يتجنسون بجنسية الدولة المسلمة ويعيشون معهم مواطنون (1)، مثل الأقباط في مصر، وكذلك الكتابيون الذين يقيمون