وقد ظهر ذلك فيها بنسبة مفزعة. وخاصة عقب فترات الحروب (1) تقييد التعدد:
ولقد كان سوء التطبيق، وعدم رعاية تعاليم الاسلام حجة ناهضة للذين يريدون أن يقيدوا تعدد الزوجات، وألا يباح للرجل أن يتزوج بأخرى إلا بعد دراسة القاضي أو غيره - من الجهات التي يناط بها هذا الامر - حالته ومعرفة قدرته المالية، والاذن له بالزواج.
ذلك أن الحياة المنزلية تتطلب نفقات باهظة، فإذا كثر أفراد الأسرة بتعدد الزوجات ثقل حمل الرجل، وضعف عن القيام بالنفقة عليهم، وعجز عن تربيتهم التربية التي تجعل منهم أفرادا صالحين، يستطيعون النهوض بتكاليف الحياة وتبعاتها، وبذلك يفشو الجهل، ويكثر المتعطلون، ويتشرد عدد كبير من أفراد الأمة، فيشبون وهم يحملون جراثيم الفساد التي تنخر في عظامها.
ثم إن الرجل لا يتزوج في هذه الأيام بأكثر من واحدة إلا لقضاة الشهوة أو الطمع في المال، فلا يتحرى الحكمة من التعدد، ولا يبتغي وجه المصلحة فيه، وكثيرا ما يعتدي على حق الزوجة التي تزوج عليها، ويضار أولاده منها، ويحرمهم من الميراث، فتشتعل نيران العداوة بين الاخوة والأخوات من الضرائر، ثم تنتشر هذه العداوة إلى الأسر، فيشتد الخصام، وتسعى كل زوجة للانتقام من الأخرى، وتكبر هذه الصغائر حتى تصل إلى حد القتل في بعض الأحايين.
هذه بعض آثار التعدد، والتي اتخذ منها دليل التقييد. ونبادر فنقول:
إن العلاج لا يكون بمنع ما أباحه الله، وإنما يكون ذلك بالتعليم والتربية وتفقيه الناس في أحكام الدين.
ألا ترى أن الله أباح للانسان أن يأكل ويشرب دون أن يتجاوز الحد، فإذا أسرف في الطعام والشراب فأصابته الأمراض وانتابته العلل، فليس ذلك راجعا إلى الطعام والشراب بقدر ما هو راجع إلى النهم والاسراف.