أن عائشة حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قد رخص للنساء في الخفين فترك ذلك رواه أبو داود.
الحديث الأول أخرجه ابن خزيمة وقال في القلب من يزيد بن أبي زياد، ولكن ورد من وجه آخر، ثم أخرج من طريق فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر وهي جدتها نحوه وصححه الحاكم. قال المنذري: قد اختار جماعة العمل بظاهر هذا الحديث. وذكر الخطابي أن الشافعي علق القول فيه يعني على صحته، ويزيد بن أبي زياد المذكور قد أخرج له مسلم في الخلاصة عن الذهبي أنه صدوق، وقد أعل الحديث أيضا بأنه من رواية مجاهد عن عائشة وقد ذكر يحيى بن سعيد القطان وابن معين أنه لم يسمع منها. وقال أبو حاتم الرازي: مجاهد عن عائشة مرسل. وقد احتج البخاري ومسلم في صحيحيهما بأحاديث من رواية مجاهد عن عائشة.
والحديث الثاني في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال مشهور قد قدمنا ذكره في أول هذا الشرح ولكنه لم يعنعن. قوله: فإذا حاذوا بنا في نسخ المصنف هكذا: فإذا حاذوا بنا. ولفظ أبي داود: فإذا جازوا بنا بالزاي مكان الذال وفي التلخيص وغيره: فإذا حاذونا. قوله: جلبابها أي ملحفتها. قوله: من رأسها تمسك به أحمد فقال: إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق رأسها (واستدل) بهذا الحديث على أنه يجوز للمرأة إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها، لأن المرأة تحتاج إلى ستر وجهها، فلم يحرم عليها ستره مطلقا كالعورة، لكن إذا سدلت يكون الثوب متجافيا عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة، هكذا قال أصحاب الشافعي وغيرهم. وظاهر الحديث خلافه، لأن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، فلو كان التجافي شرطا لبينه صلى الله عليه وآله وسلم. قوله: كان يقطع الخفين للمرأة لعموم حديث ابن عمر المتقدم، فإن ظاهره شمول الرجل والمرأة لولا هذا الحديث والاجماع المتقدم. قوله: فترك ذلك يعني رجع عن فتواه، وفيه دليل على أنه يجوز للمرأة أن تلبس الخفين بغير قطع.