فهلم فلنجعل يوما نجمع فيه فنذكر الله تعالى ونشكره فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه، فذبح لهم شاة فتغدوا وتعشوا منها، فأنزل الله تعالى في ذلك بعد: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) * (البقرة: 180) الآية. قال الحافظ: ورجاله ثقات إلا أنه مرسل. وقولهم:
لم يثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى الجمعة بأقل من أربعين يرده حديث جابر الآتي في باب انفضاض العدد لتصريحه بأنه لم يبق معه صلى الله عليه وآله وسلم إلا اثنا عشر رجلا. وما أخرجه الطبراني عن أبي مسعود الأنصاري قال: أول من قدم المدينة من المهاجرين مصعب بن عمير وهو أول من جمع بها يوم الجمعة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم اثنا عشر رجلا وفي إسناده صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف.
قال الحافظ: ويجمع بينه وبين حديث الباب بأن أسعد كان أميرا ومصعبا كان إماما.
وما أخرجه الطبراني أيضا وابن عدي عن أم عبد الله الدوسية مرفوعا: الجمعة واجبة على كل قرية فيها إمام وإن لم يكونوا إلا أربعة. وفي رواية: وإن لم يكونوا إلا ثلاثة رابعهم الامام وقد ضعفه الطبراني وابن عدي وفيه متروك. قال في التلخيص: وهو منقطع، وأما احتجاجهم بحديث جابر عند الدارقطني والبيهقي بلفظ: في كل أربعين فما فوقها جمعة وأضحى وفطر ففي إسناده بعد تسليم أنه مرفوع عبد العزيز بن عبد الرحمن، قال أحمد: اضرب على أحاديثه فإنها كذب أو موضوعة. وقال النسائي:
ليس بثقة. وقال الدارقطني: منكر الحديث، وكان ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به.
وقال البيهقي: هذا الحديث لا يحتج بمثله. ومن الغرائب ما استدل به البيهقي على اعتبار الأربعين وهو حديث ابن مسعود قال: جمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنت آخر من أتاه ونحن أربعون رجلا فقال: إنكم مصيبون ومنصورون ومفتوح لكم، فإن هذه الواقعة قصد فيها النبي (ص) أن يجمع أصحابه ليبشرهم، فاتفق أن اجتمع له منهم هذا العدد. قال السيوطي: وإيراد البيهقي لهذا الحديث أقوى دليل على أنه لم يجد من الأحاديث ما يدل للمسألة صريحا اه.
واعلم أن الخلاف في هذه المسألة منتشر جدا، وقد ذكر الحافظ في فتح الباري خمسة عشر مذهبا فقال: وجملة ما للعلماء في ذلك خمسة عشر قولا. أحدها: تصح من الواحد نقله ابن حزم، قلت: وحكاه الدارمي عن القاشاني، وصاحب البحر عن الحسن بن