المنفي الصلاة الشرعية استقام نفي الذات، لأن المركب كما ينتفي بانتفاء جميع أجزائه ينتفي بانتفاء بعضها، فلا يحتاج إلى إضمار الصحة ولا الاجزاء ولا الكمال كما روي عن جماعة، لأنه إنما يحتاج إليه عند الضرورة وهي عدم إمكان انتفاء الذات، ولو سلم أن المراد هنا الصلاة اللغوية فلا يمكن توجه النفي إلى ذاتها لأنها قد وجدت في الخارج كما قاله البعض، لكان المتعين توجيه النفي إلى الصحة أو الاجزاء لا إلى الكمال، أما أولا فلماذا ذكرنا من أن ذلك أقرب المجازين. وأما ثانيا فلرواية الدارقطني المذكورة في الحديث فإنها مصرحة بالاجزاء فيتعين تقديره. إذا تقرر هذا فالحديث صالح للاحتجاج به على أن الفاتحة من شروط الصلاة لا من واجباتها فقط، لأن عدمها قد استلزم عدم الصلاة وهذا شأن الشرط.
وذهبت الحنفية وطائفة قليلة إلى أنها لا تجب بل الواجب آية من القرآن، هكذا قال النووي، والصواب ما قال الحافظ أن الحنفية يقولون بوجوب قراءة الفاتحة، لكن بنوا على قاعدتهم أنها مع الوجوب ليست شرطا في صحة الصلاة، لأن وجوبها إنما ثبت بالسنة، والذي لا تتم الصلاة إلا به فرض، والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن وقد قال تعالى: * (فاقرءوا ما تيسر منه) * (المزمل: 20) فالفرض قراءة ما تيسر، وتعين الفاتحة إنما يثبت بالحديث، فيكون واجبا يأثم من يتركه وتجزئ الصلاة بدونه، وهذا تعويل على رأي فاسد حاصله رد كثير من السنة المطهرة بلا برهان ولا حجة نيرة، فكم موطن من المواطن يقول فيه الشارع:
لا يجزئ كذا، لا يقبل كذا، لا يصح كذا، ويقول المتمسكون بهذا الرأي: يجزئ ويقبل ويصح، ولمثل هذا حذر السلف من أهل الرأي. (ومن جملة) ما أشادوا به هذه القاعدة أن الآية مصرحة بما تيسر وهو تخيير، فلو تعينت الفاتحة لكان التعيين نسخا للتخيير، والقطعي لا ينسخ بالظني، فيجب توجيه النفي إلى الكمال، وهذه الكلية ممنوعة، والسند ما تقدم من تحول أهل قبا إلى الكعبة بخبر واحد، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل مدحهم كما تقدم ذلك في باب الاستقبال، ولو سلمت لكان محل النزاع خارجا عنها، لان المنسوخ إنما هو استمرار التخيير وهو ظني، وأيضا الآية نزلت في قيام الليل فليست مما نحن فيه. وأما قولهم: إن الحمل على توجه النفي إلى الصحة إثبات للغة بالترجيح، وأن الصحة عرف متجدد لأهل الشرع فلا يحمل خطاب الشارع عليه، وأن تصحيح الكلام ممكن بتقدير الكمال فيكفي، لأن الواجب التقدير بحسب الحاجة، فيرده تصريح الشارع بلفظ الاجزاء، وكونه من إثبات اللغة بالترجيح ممنوع، بل هو من إلحاق الفرد المجهول بالأعم