الطيبي في شرح المشكاة أنهما حديث واحد، فشرحه على أن اللام في لتزخرفنها مكسورة، قال: وهي لام التعليل للمنفي قبله، والمعنى: ما أمرت بالتشييد ليجعل ذريعة إلى الزخرفة، قال: والنون فيه لمجرد التأكيد وفيه نوع تأنيب وتوبيخ، ثم قال:
ويجوز فتح اللام على أنها جواب القسم. قال الحافظ: وهذا يعني فتح اللام هو المعتمد، والأول لم تثبت به الرواية أصلا فلا يغتر به. وكلام ابن عباس فيه مفصول من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب المشهورة وغيرها انتهى. والزخرفة الزينة، قال محيي السنة: إنهم زخرفوا المساجد عندما بدلوا دينهم وحرفوا كتبهم، وأنتم تصيرون إلى مثل حالهم، وسيصير أمركم إلى المراءاة بالمساجد والمباهاة بتشييدها وتزيينها، قال أبو الدرداء:
إذا حليتم مصاحفكم وزوقتم مساجدكم فالدمار عليكم. قال ابن رسلان: وهذا الحديث فيه معجزة ظاهرة لاخباره صلى الله عليه وآله وسلم عما سيقع بعده، فإن تزويق المساجد والمباهاة بزخرفتها كثر من الملوك والأمراء في هذا الزمان بالقاهرة والشام وبيت المقدس، بأخذهم أموال الناس ظلما وعمارتهم بها المدارس على شكل بديع، نسأل الله السلامة والعافية انتهى. (والحديث) يدل على أن تشييد المساجد بدعة، وقد روي عن أبي حنيفة الترخيص في ذلك. وروي عن أبي طالب أنه لا كراهة في تزيين المحراب. وقال المنصور بالله: انه يجوز في جميع المسجد. وقال البدر بن المنير: لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صونا لها عن الاستهانة، وتعقب بأن المنع إن كان للحث على اتباع السلف في ترك الرفاهية فهو كما قال، وإن كان لخشية شغل بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلة. ومن جملة ما عول عليه المجوزون للتزيين بأن السلف لم يحصل منهم الانكار على من فعل ذلك، وبأنه بدعة مستحسنة، وبأنه مرغب إلى المسجد، وهذه حجج لا يعول عليها من له حظ من التوفيق، لا سيما مع مقابلتها للأحاديث الدالة على أن التزيين ليس من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه نوع من المباهاة المحرمة، وأنه من علامات الساعة كما روي عن علي عليه السلام. وأنه من صنع اليهود والنصارى، وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يحب مخالفتهم ويرشد إليها عموما وخصوصا. ودعوى ترك إنكار السلف ممنوعة لأن التزيين بدعة أحدثها أهل الدول الجائرة من غير مؤاذنة لأهل العلم والفضل، وأحدثوا من البدع ما لا يأتي عليه الحصر ولا ينكره أحد، وسكت العلماء عنهم تقية لا رضا، بل قام في وجه باطلهم جماعة من علماء الآخرة، وصرخوا بين أظهرهم بنعي ذلك عليهم