عمدة القاري - العيني - ج ٢١ - الصفحة ٩٩
مدار أمر الحصر على المقامات واعتقاد السامعين لا على ما في الواقع فالمقام الأول اقتضى استثناء كلب الصيد، والثاني استثناء كلب الحرث، فصارا مستثنيين فلا منافاة في ذلك.
5482 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضار نقص من عمله كل يوم قيراطان.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن عبد الله بن يوسف إلى آخره. قوله: (أو ضار). أي: أو إلا كلب ضار، والمعنى إلا كلبا ضاريا. قوله: (من عمله) ويروى: من أجره.
7 ((باب: * (إذا أكل الكلب) *)) أي: هذا باب يذكر فيه أكل الكلب من الصيد، وجواب: إذا محذوف تقديره إذا أكل الكلب من الصيد لا يؤكل، ولم يذكره اعتمادا على ما يفهم من متن الحديث.
وقوله تعالى: * (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين) * الصوائد والكواسب، اجترحوا: اكتسبوا * (تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم) * إلى قوله: * (سريع الحساب) * (المائدة: 4).
قوله: مرفوع عطفا على قوله: (باب)، لأنه مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف. كما قلنا، وسبب نزول هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني عبد الله بن لهيعة حدثني عطاء بن دينار وعن سعيد بن جبير أن عدي بن حاتم ويزيد بن المهلهل الطائيين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسول الله! قد حرم الله الميتة، فماذا يحل لنا منها؟ فنزلت: * (يسألونك) * الآية. قوله: (قل أحل لكم الطيبات) يعني: الذبائح الحلال طيبة لهم قاله سعيد بن جبير: وقال مقاتل بن حيان: الطيبات ما أحل لهم من كل شيء أن يصيبوه، وهو الحلال من الرزق. قوله: (وما علمتم من الجوارح) أي: وأحل لكم ما اصطدتموه بما علمتم من الجوارح وهي الكلاب والفهود والصقور وأشباه ذلك، وهذا مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة وممن قال ذلك: علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله تعالى: * (ما علمتم من الجوارح مكلبين) * وهي: الكلاب المعلمة والبازي وكل طير يعلم للصيد، وروى ابن أبي حاتم عن خيثمة وطاووس ومجاهد ومكحول ويحيى ابن أبي كثير: أن الجوارح الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها. قوله: (مكلبين)، حال من قوله: (مما علمتم) وهو جمع مكلب وهو مؤدب الجوارح ومضربها بالصيد لصاحبها ورائضها لذلك، وقال بعضهم: مكلبين مؤدبين فليس هو تفعيل من الكلب الحيوان المعروف إنما هو من الكلب بفتح اللام وهو الحرص. انتهى. قلت: هذا تركيب فاسد ومعنى غير صحيح ودعوى اشتقاق من غير أصله، ولم يقل به أحد، بل الذي يقال هنا ما قاله الزمخشري الذي هو المرجع إليه في التفسير، وهو أنه قال: واشتقاقه أي: اشتقاق مكلبين من الكلب لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه. فإن قلت: قال الزمخشري أيضا: ومن الكلب الذي هو بمعنى الضراوة؟ يقال: هو كلب بكذا إذا كان ضاربا به قلت: نحن ما ننكر أن يكون اشتقاق مكلبين من غير الكلب الذي هو الحيوان، وإنما أنكرنا على هذا القائل قوله: وليس هو تفعيل من الكلب، وإنما هو الكلب بفتح اللام، فالذي له أدنى مسكة من علم التصريف لا يقول بهذه العبارة. وأيضا فقد فسر الكلب بفتح اللام بمعنى الحرص وليس كذلك معناه هاهنا، وإنما معناه مثل ما قاله الزمخشري، وهو معنى الضراوة. قوله: (الصوائد)، جمع صائدة. (والكواسب) جمع كاسبة وهو صفة لقوله: (الجوارح) وقال بعضهم: صفة محذوف تقديره: الكلاب الصوائد. قلت: هذا أيضا فيه ما فيه، بل هي صفة للجوارح كما قلنا. وقوله: الصوائد، رواية الكشميهني ولغيره، الكواسب. قوله: (الصوائد والكواسب) وقوله: (اجترحوا: اكتسبوا) ليس من الآية الكريمة بل هو معترض بين قوله: (مكلبين) وبين قوله: (تعلمونهن) فذكر الصوائد والكواسب تفسيرا للجوارح، وذكر اجترحوا بمعنى اكتسبوا استطرادا لبيان أن
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»